"عومارتنا" اللي من غير مية: 2/2
صدقوني!
والله ما هتفهموا حاجة غير لما تبصوا هنا الأول!
- - - - -
اللي حصل باختصار إن اللي ماسك صندوق العومارة ما دفعش فاتورة المية، فالبلدية -اللي بتفتكر ساعتها بس إن فيه حاجات عايشة في البلد دي- إجت وشالت العداد...
- إيه يعني، ما بتحصل في أحسن العائلات...
لأ يا زميل!
أصل لو عرفت إن في تلاتة من سكان العومارة داهيت -اللي هما سبعة أساسا- عاملين عدادات مياة لوحديهم: عداد لكل مواطن، أكيد رأيك هيختلف... خصوصي بجا لو عرفت إن اللي كان ماسك الصندوج ونسي يدفع الفاتورة تالت التلاتة دول ذات نفسياتهم!
لأ وكمان العومارة ما فيهاش بواب! وبجالها كام شهر علي ده الحال...
بس العومارة بتـ"أوفرز يو" حاجات حلوة كتير؛ عشان ما تزهقش... فمثلا: ممكن تكتشف في يوم من الأيام إن فيه واحد غريب عن العومارة كان نايم إمبارح في الدور اللي فاضي فوقينا، والسلم غالبا بتبقى نضافته ما وردتش علي حد -و سبت حتى- إلا لو "ماي ماذر" خلت الشغالة تمسحه.
بس الـ...
الألطف من ده كله إنك مش محتاج تسمع عبد المطلب في الراديو بيقول "رمضان جااانا... وفرحنااا به... بعد غياااب"!
لو شوفت حد منهم -غير أخو د. مصطفى الصغير- في المسجد اللي جنبنا، يبقى أساسي رمضان إجه.
- - - - -
نرجع بقى للنهاردة الصبح [28/3/2007]، مامتشي كانت مفقوعة من العبقرينوي اللي ماسك صندوق العومارة وما دفعهش المية، وطظ في الأربع عائلات اللي هتتقطع عنهم المية، وعندهم مدارس وكليات وشغل، وأكل لازم يتطبح وغسيل عايز يتغسل ومطبخ المفروض يتنضف!
وفيها إيه يعني لما يعيشولهم يومين كده من غير مية... ده حتى يبقي تغيير، ويعيشوا سبور... أومّال أجدادنا كانوا عايشين إزاي يعني؟!
لغاية هنا مامتي كانت بس متضايقة، ومفقوعة، ومخنوقة وفقط... بس لما-×. ),
مامتشي نادت أخويا: "انزل يا عمار لـ... خليه يروح يشوف المية"... شوية ورجع عمار: "أخوه فتحلي الباب، وبيقوللي إن هوا ما بيصحاش قبل الساعة تمانية"...
هنا مامتي ما كانتش قادرة تمسك دموعها... صحيت علي صوتها المدمع: "كأن العمارة دي مش بتاعتهم"، "وأنا اللي كنت بقول للشغالة نضّفي ونفّضي المشاية اللي قدام كل شقة كويس"... وأبويا يا عيني صحي من النوم هوا كمان مفزوع علي صوت عييطها، وقاعد يهدي فيها، وصوت البكا المكتوم أصعب عليك من البكا ذات نفسه!
عرفت بعدها إنها كانت مخنوقة ومقهورة علي "رجالة البلد" اللي بيقعدوا يشتكوا وخلاص، وأول ما يبقوا مسئلين عن حاجة بيروحوا يناموا، أو بيـ.....
كانت زعلانة علي الخير اللي ما بيتمرش، والحاجات الحلوة اللي ما بتفضلهم... أكيد هي كانت بتعمله عشان ربنا، وكمان عشان حقوق الجيرة، وعشان بتحب بلدها وأهل بلدها... بس بتكون حاجة وحشة قوي لما تكون/ ي قاعد/ ة تحسب /ي، وتفكر/ ي، وتراعي مشاعر الناس قبل مصالحهم، وهما مش فارقة معاهم أساسا...
- - - - -
الحقيقة كل اللي حصل ده، والحكايات اللي بنسمعها عن العلاقات بين البشر والبني آدمين، وقصص الناس اللي بيلاقوها ميتة بعد خمس وست أيام، وغيره خلاني اتعكر، وأفكر، واسأل، واستفسر:
هل تجوز تسمية هذه "الأشياء" التي نسكن فيها بالـ"عمارات" -اللي مفردها للي ما أخذوش ثانوية عامية من مصر المخروسة "عمارة"؟
ما مفهوم "العمارة"؟ حد يفهمني يعني إيه "عمارة"؟
هل "العمارة" هي "مبنى كبير فيه جملة شقق في طبقات متعددة" -كما يقول المعجم الوجيز"- وفقط؟
هل "العمارة" البنيان وفقط؟، بعبارة تانية: هل للـ"عمارة" وجدان؟
هل اعتبار أن "العمارة" هي "البنيان" يتفق والمفهوم القرآني لـ "الاستعمار: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"؟
أين المعنى من المبنى؟
أليست العمارة نقيض الخراب؟
أليس خراب النفوس وخراب القلوب وخراب الذمم وخراب الهمم أخطر علي الإنسان من خراب الجماد؟
أليس هناك أساس معنوي للـ"عمارة"؟ أم أنها جسد لا روح له؟
يعني لو الطوب والزلط والمية والرمل والأسمنت عناصر تكوين مادة للـ"عمارة"... فهل نبالغ إن قلنا أن المشاعر والأحاسيس والقيم والمعاني والأرواح هي جوهر معنى للـ"عمارة"؟
وإذا كانت الهندسة المعمارية والمدنية تعبر عن "فن العمارة المادي"... فما هو "فن العمارة المعنوي"؟ الأخلاق؟ التربية؟ الفلسفة؟ أم ماذا؟
:
"علم العمران"
؟!
حد يرد عليا!