اللعب مع الإخوان!
تمارس الحكومة المصرية مع جماعة الإخوان المسلمين لعبة سياسية أقل ما يقال فيها أنها غامضة وملتبسة، وباتت، من فرط عشوائيتها، تهدد المشهد السياسي كله بالفوضي، وتصادر علي أي أمل بإرساء قواعد واضحة لنظام سياسي محدد الهوية، راسخ الآليات، ومقبول من الأطراف والتيارات الفكرية والحركية كافة في المجتمع الذي يقوده ويفترض أن يعبر عنه.
وتشير أحداث ووقائع الشهور والأسابيع الماضية إلي أن جديدا طرأ علي نمط العلاقة القائم بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان، حيث اتخذت الدولة فيما يبدو قرارا بالدخول في مواجهة أمنية شاملة مع الجماعة علي أمل القضاء عليها نهائيا هذه المرة.
وكان جهاز الأمن في مصر قد انقض منذ شهور قليلة علي عدد من المفاصل المالية والتنظيمية للجماعة، وصدر قرار سياسي بمحاكمة أهم وأبرز العناصر الممسكة بهذه المفاصل أمام محكمة عسكرية بتهمة التورط في عمليات «لغسيل الأموال»، وها هو يعود هذه الأيام لينقض علي عدد آخر من المفاصل السياسية والفكرية للجماعة ويلقي القبض علي أهم الممسكين بهذه المفاصل، وربما يحالون بدورهم للمحاكمة أمام القضاء العسكري، ولكن بتهمة الانتماء إلي جماعة محظورة هذه المرة!. وإن دلت هذه التطورات علي شيء فإنما تدل علي رغبة في تغيير نمط العلاقة القائم حاليا بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين.
ومن المعروف أن العلاقة بين الدولة والإخوان في عهد الرئيس مبارك كانت قد استقرت وفق نمط معين يسمح للجماعة بدور سياسي غير مقنن وبهامش من حرية الحركة السياسية، تحدد الدولة سقوفه وخطوطه من جانب واحد، ولكن دون معايير أو مقاييس واضحة أو متفق عليها.
غير أن الدولة عادت وقررت لأسباب مجهولة الدخول في مواجهة مفتوحة ومستمرة مع الجماعة، وهو أمر بدا واضحا خصوصا عقب تصريح الرئيس مبارك بأن الجماعة باتت تشكل «خطرا علي أمن مصر القومي».
صحيح أن هذه المواجهة لا تزال تبدو من طرف واحد حتي الآن ولم تتحول بعد، لحسن الحظ، إلي مواجهة متبادلة. فالدولة لم تكشف بعد عن مؤامرة سرية تقوم بها «الجماعة المحظورة» لقلب نظام الحكم، كما لا يوجد، في حدود علمنا، قرار من جانب الجماعة بالرد علي العنف بالعنف.
ومع ذلك أعتقد أنه ليس بوسع أحد أن يضمن استمرار التزام الجماعة بسياسة ضبط النفس وتحمل ضربات موجعة في ظروف محلية وإقليمية ودولية كالتي تعيشها الأمة العربية والإسلامية حاليا.
فقد يبدو الرد علي العنف بالعنف أمرا واردا، أو حتي مشروعا، بالنسبة للبعض بسبب حجم الهواجس والقلق وعدم الاطمئنان مما قد تخبئه قوادم الأيام، والتي تضطرم بها النفوس حاليا، خصوصا أن فترة الشهور الستة المقبلة تبدو مشحونة بأسباب توتر، بعضها ظاهر وأكثرها كامن، باتت تمسلك بتلابيب المنطقة من أقصاها إلي أقصاها.
المواجهة القائمة حاليا بين الدولة المصرية و جماعة «الإخوان المسلمين» ليست الأولي، والأرجح أنها لن تكون الأخيرة. فمن المعروف أن هذه «الجماعة»، والتي كانت قد لقيت ترحيبا عاما عند تأسيسها علي يد حسن البنا عام ١٩٢٨ باعتبارها جماعة دينية تدعو للمعروف وتنهي عن المنكر، ما لبثت أن راحت تصطدم بالنظام منذ تحولها إلي قوة سياسية تسعي للوصول إلي السلطة باعتباره ضرورة لإقامة النموذج المجتمعي الذي تؤمن به.
اللافت للنظر هنا أن صدام الجماعة مع النظام، والذي اتخذ طابعا دمويا أحيانا وقمعيا أحيانا أخري، جري في كل العهود والمراحل، بصرف النظر عن طبيعة النخبة الحاكمة أو توجهاتها الفكرية والأيديولوجية أو سياساتها الداخلية والخارجية.
ففي العهد الملكي دخلت الجماعة في مواجهة شاملة مع النظام عام ١٩٤٩ في وقت كانت فيه النخبة الحاكمة تتبني خطا «ليبرالي» التوجه، وفي الحقبة الناصرية دخلت الجماعة مرتين في مواجهة شاملة مع النظام: الأولي عام ١٩٥٤ والثانية عام ١٩٦٥, بينما كانت نخبته الحاكمة تتبني خطا وطنيا مستقلا أو خطا اشتراكيا مواليا للاتحاد السوفييتي.
وفي الحقبة الساداتية دخلت الجماعة عام ١٩٨١ في مواجهة شاملة مع النظام في وقت كانت النخبة الحاكمة تتبني فيه خطا محافظا ومواليا للولايات المتحدة وإسرائيل.
وها هي بوادر مواجهة شاملة تتجمع في الأفق عقب فترة هدنة طالت كثيرا مع النظام في عهد الرئيس مبارك، في وقت تسير فيه النخبة الحاكمة علي نفس النهج المتبع منذ عهد الرئيس السادات وتصر في الوقت نفسه علي نقل السلطة لنجل الرئيس ضمانا لاستمرار احتكارها السلطة والثروة.
قد يري البعض في المواجهات المتكررة بين جماعة الإخوان المسلمين ومختلف فصائل النخبة التي تعاقبت علي حكم مصر منذ الربع الثاني منذ القرن الماضي ـ دليلا علي أن المشكلة تكمن في فكر الجماعة وفي بنيتها التنظيمية، وربما أيضا في السياسات والتكتيكات والوسائل التي تبنتها للوصول إلي غاياتها، وهو ما لا نستبعده ابتداء.
فمن الواضح أن الجماعة عجزت عن التأقلم مع التطور الذي شهدته الساحة المجتمعية في مصر، كما عجزت عن طرح صيغة تمكنها من تجنب هذا النمط من العلاقة الدامية والمستمرة مع كل فصائل النخبة، علي نحو ما حدث في تركيا علي سبيل المثال. غير أن هذا الأمر لا يشكل إلا وجها واحدا من وجوه الحقيقة.
فالواقع أن الفشل لا يقتصر علي الجماعة وحدها وإنما هو كامن كذلك في بنية النظام السياسي المصري نفسه. فقد عجز هذا النظام عن التحول إلي نظام ديمقراطي قادر علي استيعاب الجماعة، ومعها التيار الإسلامي المعتدل، بداخله والقبول بقواعد لعبة سياسية علي أساس من تداول السلطة.
وقد سبق لي أن أشرت في مقال سابق إلي أنه آن الأوان لاستخلاص الدروس الصحيحة المستفادة من هذه المواجهة، والتي لخصتها في عدة أمور. الأمر الأول: أن جماعة الإخوان ولدت لتبقي ولم يعد بمقدور أحد استئصالها من تربة الحياة السياسية والاجتماعية المصرية التي أصبحت متجذرة فيها.
والأمر الثاني: أن الضربات المتلاحقة لا تزيد الجماعة إلا إصرارا وقوة، وأن حظر وجودها وتجريمها ودفعها للعمل تحت الأرض يجعلها أكثر تطرفا وانكفاء علي نفسها وأقل قدرة علي التواصل والحوار مع الآخرين.
والأمر الثالث: أن التضييق علي بقية الفصائل السياسية الأخري غير المشاركة في الحكم يصب في نهاية المطاف لصالح جماعة الإخوان وحدها، علي عكس ما قد يبدو ظاهرا فوق السطح، ويجعل منها البديل الوحيد للنظام القائم، خصوصا عندما لا يكون لدي هذا الأخير مشروعا وطنيا تلتف حوله الطبقة الوسطي علي نحو ما تتسم به المرحلة الحالية.
كما سبق أن أشرت إلي أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أكدت وجود حالة استقطاب سياسي، خطرة جدا،بين جماعة الإخوان من ناحية والحزب الحاكم من ناحية أخري. ذلك أن أيا من طرفي الاستقطاب القائم حاليا لا يشكل حزبا سياسيا بالمعني الدقيق، وبالتالي قد لا يكون قادرا أو مؤهلا لطرح مشروع وطني بالمعني السياسي أو الاجتماعي للكلمة.
فالقوة الظاهرة للحزب الحاكم تعكس في الواقع قوة الجهاز الأمني والإداري للدولة بأكثر مما تعكس حجم التأييد الجماهيري لبرنامجه السياسي، والقوة النسبية الظاهرة لجماعة الإخوان تعكس قوة الدين في المجتمع بأكثر مما تعكس حجم التأييد الجماهيري لهذه الجماعة.
وبين نخبة حاكمة تحاول فرض هيمنتها المنفردة بعنف أجهزة القمع، وجماعة معارضة تحاول التصدي لهذه الهيمنة بقيم الدين، توجد حالة فراغ سياسي مخيف تحول دون تمكين أغلبية صامتة تمثل ثلاثة أرباع الناخبين من تنظيم صفوفها والنزول إلي ساحة العمل السياسي، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ويبدو واضحا أن هذه الأغلبية تأمل في كسر احتكار النخبة الحاكمة للسلطة والثروة، غير أنها لا تبدو مطمئنة في الوقت نفسه لجماعة الإخوان، وهو وضع تحاول النخبة الحاكمة استغلاله وتوظيفه لمصلحتها، وذلك بإظهار الجماعة وكأنها فزاعة تخيف بها القوي الراغبة في التغيير والحيلولة بالتالي دون حدوث أي تداول حقيقي للسلطة. وهنا تكمن مفارقة تجعل الوطن يبدو محشورا بين مطرقة الحزب الوطني وسندان الجماعة.
فالحزب الوطني يحتاج إلي تضخيم خطر الإخوان للتهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي ولتكريس احتكاره للسلطة والثروة، والقمع الواقع علي الإخوان يحول الجماعة في ظل الفراغ السياسي القائم إلي ضحية وإلي بديل وحيد محتمل للنظام القائم. وقد سبق أن أكدت في مقالي السابق المشار إليه إلي أن هذا البديل لن يأتي بالطريق السلمي وإنما في نهاية مرحلة من الاضطراب والفوضي يبدو أن النظام الحالي يسوقنا إليها لا محالة.
إنني أود أن أؤكد هنا مرة أخري علي أنني لست من الذين يعتقدون أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل بذاتها خطرا علي الوحدة الوطنية أو عقبة أمام إطلاق مشروع للتحديث والنهضة في مصر، الخطر الحقيقي هو استئثار طرف واحد، أيا كان، بالسلطة.
فالانفراد بالسلطة يقود حتما إلي تركيزها في يد فرد واحد يتحول بحكم طبيعة الأشياء إلي مستبد يشل عمل المؤسسات ويحول دون تطويرها. ولأن الاستبداد هو أقصر الطرق لشيوع وانتشار الفساد، فسوف يستحيل، في تقديري، إقامة مجتمع ديمقراطي حقيقي دون مشاركة نشطة وفعالة من جانب تيار الإسلام السياسي بشكل عام وليس جماعة الإخوان فقط. غير أن الأمانة تقتضي أن أؤكد هنا في الوقت نفسه علي أنه يستحيل علي تيار الإسلام السياسي، وفي المقدمة منه جماعة الإخوان، أن يصبح طرفا مشاركا في الجهود الرامية إلي إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي ما لم يتحول إلي حزب سياسي مدني يقبل بمبدأ المواطنة وينبذ العنف كوسيلة للوصول إلي السلطة.
وقد سبق أن أشرت إلي حوارات كانت قد جرت في خضم جهود شاركت فيها واستهدفت قيام «جبهة وطنية من أجل التغيير» ولدت لدي إحساسا عميقا بأن المشكلة لا تكمن في جماعة الإخوان المسلمين بقدر ما تمكن في النظام السياسي القائم. فهذا النظام لا يرغب في قيام أي أحزاب سياسية تتمتع بقواعد شعبية حقيقية، سواء كانت مرجعيتها الفكرية إسلامية أو مدنية.
الدليل علي ذلك أن أحزابا مثل الوسط والكرامة لا تزال تناضل في دهاليز القضاء منذ عشر سنوات للحصول علي رخصة رسمية تسمح لها بمباشرة النشاط. وقد يبدو غريبا أن ينقض الحزب الحاكم علي الجماعة في وقت تبدو فيه أكثر استعدادا من أي وقت مضي لحسم ترددها والتحول إلي حزب سياسي مدني ذي مرجعية إسلامية.
ولذلك لا أتردد في تحميل المجتمع المدني في مصر جانبا من المسؤولية عما يحدث الآن بسبب إخفاقه في العثور علي صيغة مبتكرة تسمح بتبديد الشكوك المتبادلة بين الإخوان والقوي الراغبة في التحول الديمقراطي، وهو شرط يستحيل في غيابه إقامة نظام ديمقراطي يسمح بتداول سلمي للسلطة.
لقد سبق لي أن أكدت أكثر من مرة أنه لا أمل في قيادة الحزب الوطني لعربة الإصلاح السياسي في مصر، لكن أين المجتمع المدني؟ هل يظل المجتمع المدني في مصر جالسا القرفصاء حتي وقوع الكارثة القادمة؟
تابعوا أيضا في السياق البتنجاني ذاته
1
أحمد + عبد الرحمن – عبد الرحمن = أحمد_نجوم الحيرة
ارفعوا أيديكم عن الإخوان_ابن توفيق
أنا المخ وهو العضلات_نجوم الحيرة
ترن ترن... مين عالباب؟ أمن دولة... افتح!_نجوم الحيرة
الحرية للدكتور العريان_مصراوي أوي
الحرية للدكترو عصام العريان واللي معاه_لسه عايش
حسبنا الله ونعم الوكيل_سمية العريان
خليك في حالك_نجوم الحيرة
ساكتين ليه_نجوم الحيرة
ساعات معدودات_نجوم الحيرة
السجن في حياة الإصلاحي عصام العريان_عبد المنعم محمود
شكرا سعادة الرائد... بالواو!_نجوم الحيرة
قولي لأ يا مصر_نجوم الحيرة
لحد إمتى_إبراهيم الهضيبي
النيابة النهاردة قمة في المهزلة_أسماء العريان
يا بلادي_نجوم الحيرة
I sAw Egypt… They SAWed Egypt!_Nojoomol7era
هناك ٦ تعليقات:
هو استفسار صغير اوى
هو فيه حاجه لفتت نظرى فى مدونة حضراتكم
ان فيه فيديو فى اعلى المدونة .. هو ما شاء الله جميل اوى
بس يا ترى جبتوه منين ؟؟
هو استفسار ليس الا :)
Teslam Eidak we keyboardak ya Abd-el- Rahman
الله الله الله عليك يا دكتور حسن نافعه ..
و حقيقى سلمت يداك على نقل المقال ..
المقال ده خطير بجد .. لا و وفر عليا شخصيا حاجات كتير كنت ناوية اعقب بيها فى مدونتكم المتواضعه و فى مدونات اخرى كمان ( ولا سيما " يلا مش مهم ") ...
طيب انتظر تعقيبى على الموال ده كله باذن الله ... و الى احتمال ييجى متأخر زمنيا شوية بس باذن الله سؤافيكم به ..
سلام للان
أسماء هانم
الفلاشة من عندك
التفاصيل بعدين
أما جبتها منين فالنت بحر واسع والرك عالصياد
!
- - -
غير معرف
تسلم/ ي
- - -
دهاء
يا مسهل
المقال فعلا ركز على نقاط مهمة اوى .... و القى الضوء على جوانب جديدة فى الموضوع دا بالنسبة ليا على الاقل ... شكرا
هند هانم
نورت
فينك منذ زمن
المقال فعلا مهم
العفو
إرسال تعليق