[ إضاءات ]

"من علمني حرفا... صرت به حرا" أستاذي سيف الدين .....| | | | |..... "هناك فرق بين أن تكون عالما، وأن تكون إنسانا" كولن .....| | | | |..... "إن الدعاة اليوم لا يفتقرون إلي الإخلاص... وإنما في كثير من الأحيان إلي الحكمة" أستاذتي هبة .....| | | | |..... "الاجتهاد مبدأ الحركة في الإسلام" محمد إقبال .....| | | | |..... "الطاقة الإبداعية بحد ذاتها مطلب شرعي ومقصد إيماني‏" فالإبداع "صنو الاجتهاد، ورديف له، من الصعب أن ينفك أي منهما عن الآخر" طه جابر العلواني .....| | | | |..... "ولا تزال الدنيا عامرة وديار المسلمين في سلام ما أخبتت النفوس وهبطت ساجدة تردد: "رب زدني علما" محمد أحمد الراشد .....| | | | |..... السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس به أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك: لا سياسة إلا ما وافق الشرع: أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة" الإمام ابن عقيل الحنبلي .....| | | | |..... "طلب الحرية مقدم علي تطبيق الشريعة... تقديم ترتيب، لا تقديم تفضيل" فهمي هويدي .....| | | | |..... "الإنسان المعاصر إنسان ذو بعد واحد، فاقد الهوية، وصاحب نزعة استهلاكية، وقليل الحساسية تجاه الغير، ويعاني عزلة وضياعا، وهو أسير المرحلة الراهنة، والسرعة الفائقة، والوقائع السريعة الكفيلة بأن تُنسيه ما قبلها، وتتركه يتحفّز لما بعدها" مدرسة فرانكفورت .....| | | | |.....

الأحد، نوفمبر ٢٥، ٢٠٠٧

مصر ما خلقت لتموت



رسالة إلى الشباب: مصر ما خلقت لتموت


د. معتز بالله عبد الفتاح


كتبت في مقالي الأخير عن "القدرة الإفسادية للدولة المصرية." ومن أسف بدا كما لو أنني أعطيت مبررات مقنعة للكثيرين كي يتحلوا باليأس من صلاح الأحوال في مصر. وهذا قطعا ليس هدفي. واسمحوا لي أن أنقل لزملائي ومن هم في مثل عمري كلاما أهدف منه إلى التفاؤل البناء. فلا يقتلنا الإحباط فنيأس، ويسحقنا الواقع بمشكلاته فنفقد القدرة على الخيال. هذا حديث شخصي قررت أن أكتب فيه كاستجابة مباشرة للعديد ممن قرأوا عدة مقالات أخيرة لي فظنوا أنني أبشر بنهاية مأساوية لدولة ذات ماض عريق. وهذا ما لم أقصده تماما. فنحن يمكن أن نصاب بالإحباط أو الضيق ولكننا لا ينبغي أن نصاب باليأس لأسباب عديدة. فعلى المستوى الشخصي، ورغما عن تواضع خبرتي في الحياة، لكنني أعرف أن اليأس قرين الضعف، والضعف دليل الجهل. ولا ينبغي للجهل أن يغلبنا بل نحن لاهثون نحو حياة أفضل لنا ولغيرنا قدر استطاعتنا. لا ينبغي أن نجعل مشاعر الإحباط تتحول إلى يأس. وحينما قررت أن أعلم ابني كلمات تساعده على فهم الحياة ومراوغتها، جعلته يحفظ مقولة نابليون: "إذا كنت لا تعرف، تعلم. وإذا كان ما تريد أن تفعله صعبا، حاول. وإذا كان ما تريد أن تفعله مستحيلا، حاول مرة أخرى." وهو ما ينبغي أن نطبقه على المستويين الشخصي والعام.
ثانيا، أنا أثق تماما في كلام الله، وحين يقول الله "ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" فأنا أصدق ربي، وأقول "سمعت وأطعت يا الله" ثم أنفر للعمل والجهد وقلبي عامر بيقين أن الله ما وعدنا إلا ليصدقنا وعده، المهم أن نعمل حتى نستحق عطاءه ونعمه. وأنا في هذا أرتدي عقل وقلب سيدنا نوح الذي طلب إليه ربه أن يصنع سفينة في قلب الصحراء. هل ممكن لعاقل أن يصدق أن عليه أن يصنع سفينة في قلب الصحراء؟ نعم المؤمن الواثق في نصر ربه ثقته في الغيب، يعمل مطمئنا في دأب عسى الله أن يجعل في جهده ما يفيد. المؤمن الواثق يقيم نفسه حيث أقامه الله.
فمن يعمل لهذه البلد، مخلصا، عليه أن يستمر في العطاء بنفس منطق من يبني سفينة في الصحراء، وبنفس منطق الرسول الكريم حينما أمرنا أن نزرع ما في أيدينا من فسيلة حتى لو كانت القيامة بعد ساعة. فهل سيستفيد أحد من الفسيلة، لو كانت القيامة بعد ساعة من زرعها؟ الإجابة نعم، أنت يا من زرعتها لقد وفيت أمر ربك لك بأن تعمل وتكدح ابتغاء وجه ربك الأعلى. ويبدو أن موقف اليأس من الإصلاح مسألة متواترة لدرجة أن القرآن الكريم قد سجلها حينما سأل قوم قوما "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏" وكأن المعنى أن هناك ثلاثة فرق: الأولى تسأل الثانية لماذا تضيعون وقتكم وجهدكم مع قوم اختاروا الضلال حتى أن الله معذبهم (الفريق الثالث)، فكان رد الفريق الثاني أنهم يعظونهم حتى يعذرهم الله ويعرف أنهم ما قصروا في الإصلاح ما استطاعوا، ولعلهم ينتفعون بالنصيحة. ومن هنا جاء قول الحق سبحانه في موضع آخر "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " وليس فقط صالحين. فكأن واجب الإصلاح وليس فقط الصلاح هو ما يضمن التقدم والرقي.
ثالثا، التاريخ يقول لنا إن بنية المجتمعات تتغير بسرعة شديدة مع تولي القيادة السليمة لها. ما الفرق بين مصر ما قبل 1805 ومصر ما بعد 1805؟ إن شخصا تولى حكم مصر في عام 1805، فأعاد تنظيم شئون الدولة، وغير شكل النظام الاقتصادي، وأرسل البعثات للخارج، وأجاد الاستفادة من طاقات المصريين فتحولت مصر مع عام 1813 إلى دولة نامية بحق حتى وصلت إلى قمتها بعد ذلك بعشر سنوات. ما الفرق بين مصر ما قبل 1805 ومصر ما بعد 1805، شخص واحد في المكان الصحيح، إنه محمد علي. والأمر لم يكن بعيدا عن أسماء عظماء آخرين في مجالات أخرى، لولا رؤيتهم وشجاعتهم ودأبهم وحسن إدراكهم لواقعهم لما نجحوا ولما أنجحوا المجتمعات التي عاشوا فيها. إن هؤلاء مثل حبات المطر التي تنزل على الأرض الجرداء فتخرج منها زرعا ما ظننا أن بذوره كانت موجودة قط حتى قال أهل اليأس فيها "أني يحي هذه الله بعد موتها."
لمن عنده وقت للقراءة فليدخل على الانترنت ويكتب اسم أي من هؤلاء: أحمد بن طولون، أوأحمد بن قلاوون، أو المظفر قطز، أو يوسف ابن تاشفين، أو محمد بن أبي عامر المعروف بالحاجب المنصور، أو عقبة بن نافع، أو طلعت حرب أو سعد زغلول. وكل هؤلاء عظماء هذه الأمة الذين لولاهم لما أصبحنا. والغريب أن المؤرخين الذين كتبوا عن كل واحد من هذه الزعامات يرصد حالة اليأس الشديد التي أصابت المجتمع والشلل في التفكير والفقر في الخيال، وكأن الجميع ينتظر الموت. بل إن تاريخ الغرب حافل بالمشاهدات التي تؤكد على نوعية القيادة التي تتولى إدارة الدول والمؤسسات. ويكفي لأن نشير إلى نوعية القيادة التي حصلت على الاستقلال في دولة مثل الولايات المتحدة ودول مثل المكسيك أو البرازيل. فالقيادة التي تولت الحكم في مرحلة ما بعد استقلال الولايات المتحدة كانوا علماء وفلاسفة بحق، نقلوا مجتمعهم الوليد ليكون أول ديمقراطية مستقرة في العالم في حين لم تزل معظم دول أمريكا اللاتينية تتلمس خطاها على طريق الاستقرار الديمقراطي. ما كان للجهل أن يتفوق على العلم.
رابعا، الواقع المعاش يثبت أننا في مصر نحتاج لقيادة ماهرة تستطيع أن تحقق المعادلة الصعبة التي قال بها المستشار البشري: "قيادة تستطيع أن تصلح الماكينة وهي تعمل" فماكينة مصر شديدة العطب، عالية الصوت، كثيرة الفاقد، لكنها لم تزل تعمل. والمعضلة أن نصلحها وهي تعمل. والأمثلة ليست بعيدة عن قيادات نجحت في أن تصلح العطب في مجتمعاتها. فنلقرأ ما كتبه مهاتير محمد عن المجتمع المسلم في ماليزيا في كتابه (معضلة المالايو) وكان ذلك في عام 1970، لقد كان الرجل يصف مجتمعه أوصافا نستخدمها نحن اليوم في وصف مجتمعنا من كسل وسلبية وعدم احترام القانون وأنانية مفرطة والتزام شكلي بالإسلام، والرضا بأن تظل ماليزيا دولة زراعية متخلفة، وقد كانت بحق أكثر تخلفا من مصر في ذلك الوقت. حتى أن الحزب الحاكم في ماليزيا آنذاك منع الكتاب من التداول نظرا للآراء الحادة التي تضمنها، وأصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لابد ان تحظر مؤلفاته. غير ان مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، وأتيحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث أصبحت ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الإسلامي. والأمر لن يكون بعيدا عن النجاح الذي يشهده المجتمع التركي حاليا تحت زعامة رجب طيب أردوجان. إذن كلمة السر هي القيادة. لكن كل قيادة تحتاج لأن تستعين بكل صاحب جهد ودراية في مجالات العمل العام المختلفة. حتى إن وجد نظام متكامل فيظل هناك دور مهم للأشخاص القادرين على ابتكار الحلول والتفكير خارج الروتين النمطي. "الفارق في القيادة" كان التعبير الذي استخدمته إحدى خبيرات إدارة الأزمات الأمريكيات لكي تصف الفرق بين الأداء المهني الرائع الذي قاوم به الأمريكيون حرائق كاليفورنيا في 2007 وبين الطريقة المخذية التي تعاملوا بها مع فيضانات كاترينا في ولاية لويزيانا في 2005.
إذن ما الحل؟ هل البديل المتاح أمامنا هو أن ننتظر بلا فعل. قطعا لا، بل لا بد من الفعل على المستوى الشخصي وعلى المستوى السياسي.
أولا لا ينبغي أن نفقد الأمل في مصر أفضل، فرغما عن كل سلبيات نظامنا التعليمي لكنه لم يزل يخرج طلابا حينما يسافرون للخارج فهم لا يجدون أنفسهم بعيدين كثيرا عن نظرائهم الغربيين. بل أنا أعلم يقينا أن أفضل 20 بالمائة من خريجي جامعاتنا هم قطعا أفضل من 50% على الأقل من خريجي أفضل جامعات العالم. ولم يزل بعضنا مشغولا بالصالح العام لهذه البلد، راغبا في أن يكون غدها خيرا من يومها، مستعدا لأن يدفع الثمن من جهده ووقته وماله، فهم كمن يساهم مع نوح في بناء سفينته الصحراوية. لو فقدنا الأمل، لماتت مصر. ومصر ما خلقت لتموت، هي ممكن أن تتعثر وأن تتخبط لتقصير حكامها وفساد القائمين عليها، لكنها في النهاية قادرة على النهوض السريع إن وجد من يستطيع أن يوقظ في أهلها الأمل. هي مبصرة لكنها لا ترى نورا. فعلينا أن نكون هذا النور في حدود ما نستطيع بين من هم في دائرة تأثيرنا.
ثانيا ابحث عن فسيلة لزراعتها. افعل الخير، أي خير. إن وجدت ورقة ملقاة على الأرض بجوار سلة مهملات ضعها فيها، فأنت حين تفعل ذلك ما نظفت كل مصر، لكنك أعدت لنفسك وللمحيطين بك قيمة النظافة التي غابت كثيرا ولو غابت أكثر لماتت، فلا تجعلها تموت. قل الحق واعمل الخير وأعط القدوة والمثل للآخرين، ابحث عن النماذج الجيدة في مجتمعنا وتمثلها، أضئ شمعة ولا تلعن الظلام.
ثالثا عليك بالعلم، فنحن أمة أمرت بالقراءة ولكننا قليلو القراءة. فالحديث الشريف الذي يقول إن فضل العالم على العابد كفضل الرسول على أدنى واحد منا له منطقه في أن الجاهل مهما حسنت نواياه يكون عبئا على مجتمعه وهو أقرب إلى الدب الذي قتل صاحبه. فهو أحبه لدرجة أنه ما تحمل أن يرى ذبابة تقلق نومه، فألقى على الذبابة حجرا ثقيلا، فمات صاحبه وطارت الذبابة. العلم هو جوهر التقدم على المستوى الشخصي وعلى المستوى الجماعي. فليجعل كل منا لنفسه كتابا يقرأه شهريا في أي مجال. وإن كنت أوصيكم بأن تقرأوا ما كتب الدكتور زكي نجيب محمود، والشيخ محمد الغزالي، والأستاذ عباس محمود العقاد. فهم أصحاب عقول نيرة وعلم غزير، تركوا أفكارا لم تتحول إلى تيار فكري لتقصيرنا في إعطائهم حقوقهم. لقد حاولوا أن يحيونا فأمتناهم بتجاهلنا إياهم. رابعا، البطاقة الانتخابية هي أداتك للمشاركة السياسية في بناء وطنك. إن انتخابات مجلس الشعب‏ ‏المقبلة ستكون‏ ‏بعد‏ ‏ثلاث ‏ ‏سنوات ‏(2010) و‏ ‏الانتخابات‏ ‏الرئاسية‏ ‏ ‏بعد‏ أربع ‏سنوات‏(2011). علينا جميعا أن نكون جزءا ممن يساهمون في بناء هذا الوطن. وعلى الجميع أن يعمل جاهدا على رفع وعي المصريين بأهمية استخراج بطاقة انتخابية، فصدق أو لا تصدق أن هذه البطاقة قد تعني تحديد من يحكم مصر في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، حين تتقارب الرؤوس فتتناطح. وعليه فالرسالة الموجهة لكافة الصحف المصرية وأجهزة الإعلام وكتاب الرأي أن ينشروا الوعي بين المصريين بأهمية هذه البطاقة وبإجراءات استخراجها لاسيما وأن التسجيل لها محدود بحكم القانون في أي من الأشهر الثلاثة المقبلة (نوفمبر وديسمبر ويناير). ولنتذكر الرسالة الأفلاطونية الشهيرة: "من يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه." وهو تحد كبير يتطلب أن نتغلب أولا على الشعور بالإحباط وأن نندفع نحو الأمل اندفاع من يسير إلى قمة تل عال لا يعرف ما الذي سيجده وراءه، لكن أن نموت ونحن نحاول أفضل من أن نعيش أبد الدهر بين الحفر. وسأحاول في المقالات القادمة أن أفكر معكم في كيفية بناء الذات القادرة على الأمل والعمل من أجل مستقبل أفضل لهذه البلد. والله نسأل الإخلاص والسداد والقبول.


ليست هناك تعليقات: