[ إضاءات ]

"من علمني حرفا... صرت به حرا" أستاذي سيف الدين .....| | | | |..... "هناك فرق بين أن تكون عالما، وأن تكون إنسانا" كولن .....| | | | |..... "إن الدعاة اليوم لا يفتقرون إلي الإخلاص... وإنما في كثير من الأحيان إلي الحكمة" أستاذتي هبة .....| | | | |..... "الاجتهاد مبدأ الحركة في الإسلام" محمد إقبال .....| | | | |..... "الطاقة الإبداعية بحد ذاتها مطلب شرعي ومقصد إيماني‏" فالإبداع "صنو الاجتهاد، ورديف له، من الصعب أن ينفك أي منهما عن الآخر" طه جابر العلواني .....| | | | |..... "ولا تزال الدنيا عامرة وديار المسلمين في سلام ما أخبتت النفوس وهبطت ساجدة تردد: "رب زدني علما" محمد أحمد الراشد .....| | | | |..... السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس به أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك: لا سياسة إلا ما وافق الشرع: أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة" الإمام ابن عقيل الحنبلي .....| | | | |..... "طلب الحرية مقدم علي تطبيق الشريعة... تقديم ترتيب، لا تقديم تفضيل" فهمي هويدي .....| | | | |..... "الإنسان المعاصر إنسان ذو بعد واحد، فاقد الهوية، وصاحب نزعة استهلاكية، وقليل الحساسية تجاه الغير، ويعاني عزلة وضياعا، وهو أسير المرحلة الراهنة، والسرعة الفائقة، والوقائع السريعة الكفيلة بأن تُنسيه ما قبلها، وتتركه يتحفّز لما بعدها" مدرسة فرانكفورت .....| | | | |.....

الاثنين، يونيو ٠١، ٢٠٠٩

بلاد الواء الواء



قبلما تقرأ هذه السطور لابد من تحذيرك من أنك في لحظة ما من هذا المقال سوف تبحث عن أقرب حائط لك وتضرب دماغك فيه.
نعم، لا تندهش ولا تستغرب.. فإذا كنت قادرًا علي تحمل كدمة أو رضة في الجبهة أو أن يراك ابنك فيصرخ لأمه: إلحقي يا ماما بابا اتجنن!!.. فأكمل المقال، أما لو أنك مطمئن للمقاول الذي بني بيتكم أو أنك تخاف من أثر ضربة دماغك في الحائط فلا داعي لإكمال المقال ويا سيدي المقالات كتير مجتش علي هذا تحديداً!!

ما رأيك في مياه الشرب التي تشربها أو التي بالأحري لا تشربها؟
بعضنا الغني والمستور يشتري مياهًا معدنية.
وبعضنا الأقل سترًا والأقصر يدًا يشتري مياهًا بالجراكن، غير معدنية لكنها ليست من الحنفية.
وأكثرنا يشرب مياه الشرب المخلوطة بالمجاري والسم الهاري الذي يختلط بالمياه القادمة من شبكات المياه ومواسيرها في مناطق مصر!
هل تريد أرقامًا ونسبًا مئوية وأسماء الكائنات السرطانية والسمية الموجودة في المياه التي كشفتها عشرات الدراسات؟
بذمتك محتاج لهذه التفاصيل، يمكن أن أقدمها لك كما كتبتها أكثر من مرة في هذا المكان نفسه لكن هناك ما هو أسهل وأريح لك وأكثر إقناعًا من الكلام التقيل والمصطلحات الرذلة، مد رجليك حتي أقرب حوض في الشقة واملأ كوبًا فارغًا بالمياه وتأمل سواده وترابه وفتافيته لتعرف عما أقول وعما تشرب!
ثم ما رأيك في مسألة المجاري في مصر؟
هل أنت راضٍ عن مستواها ومتانتها وكفاءتها أم أنك من هؤلاء الذين يتمتع نظرهم كل يوم بمجاري ضاربة في الشارع أو علي ناصية شارع قريب أو حتي تشاهدها في مشوار لك في آخر فيصل أو عند دار السلام أو في سكتك لمدينة نصر أو في أي قرية ومدينة صغيرة في مصر؟ أم أن حظك العثر جعلك من سكان منطقة انفجرت فيها ماسورة «مياه مجاري» من بين 97 ألف ماسورة انفجرت خلال العام قبل الماضي مثلاً في القاهرة وحدها؟
تخيل بعد هذا كله تأتي الحكومة ـ الذكية بنت الذكية ـ وتخفض من موازنة هذا العام الإنفاق علي مياه الشرب والصرف الصحي!
أوضاع المياه وأحوال الصرف الصحي التي لا تسر عدوًا (لأ بل تسر عدوًا طبعًا) ولا حبيبًا وتنتهي بنا إلي فجائع يومية بدلاً من أن تزيد الحكومة الإنفاق عليها لإنقاذ مصر من سم المياه وأمراضها التي تصيب بالسرطان والفشل الكلوي إذا بها تخفض الميزانية، بدلاً من إنقاذ المصريين من الغرق تحت مياه المجاري والحياة في الطفح إذا بها تنتقص من ميزانية الصرف الصحي!
هذا ما جري من حكومة رجال الأعمال ومليارديرات مصر الجديدة الذين قرروا تخفيض الاعتمادات المخصصة لقطاع مياه الشرب والصرف الصحي من 14 مليار جنيه عام 2008/2009 إلي 4 مليارات في العام المالي المقبل 2009/2010!
ماذا يعني هذا التخفيض الهائل؟
انحياز كامل ومطلق للأغنياء ومتطلباتهم واحتياجاتهم في مواجهة الفقراء ومحدودي الدخل!
كسبت مياه ري ملاعب الجولف ماء شرب الغلابة!
شلة بكوات قاعدة معاها قلم وقدامها الورق، شيل ده من ده وحط ده فوق ده، هذا القلم من يحركه ومن يقوده ومن يستطيع مواجهته؟
مجموعة رجال الأعمال في الحكم والدولة وكذلك رجال الأعمال في البرلمان والحزب الوطني ورجال الأعمال ملاك الفضائيات شبه الحكومية والصحف شبه الخاصة تضمن التواطؤ وتبادل المنافع.
من مياه الشرب والصرف الصحي تعال لتكتشف معي أن هذه الحكومة خفضت مخصصات العلاج علي نفقة الدولة إلي مليار جنيه مقارنة بـ 4.1 مليار جنيه العام الماضي، علي الرغم من وجود عجز مرحل بميزانية العلاج علي نفقة الدولة يقدر بـ 950 مليون جنيه من العام الماضي. هل أدركت معي هذا الحجم الواسع الشاسع من التخفيض؟
قولي بذمتك ودينك في شرع مين اللي بيحصل ده؟
قطعًا هذا مجرد مثال، والأمثلة أضخم وأفظع، لكن هذه خلية من جسد خرب ومنخور.
تمر كل هذه الكوارث عادي خالص ولا كأن حاجة حصلت وإنت متضايق ليه بس ووالله إنت مزودها ومثل هذا الكلام الطيب الذي تسمعه من أبناء وطنك المصكوكين علي ظهورهم والمسلوبة أموالهم وثرواتهم ومستكترين عليهم علاوة تافهة لا تسد رمقًا ولا تكفي ثمن ساندويتش فول كل يوم.
مَنْ يخفض نصيب مياه الشرب والصرف الصحي والذي يسلخ ميزانية العلاج علي نفقة الدولة بهذا العنف والصلف؟، هي طبقة الجولف الحاكمة التي لا تصل لعشرة في المائة من الشعب كما قلت وكتبت وكررت بل ربما نختصرها في خمسين عائلة تتشعب ملكياتها في الوطن لتتملك الوطن ثم تملكه عبر وريث محكوم بأفكار العولمة ومصالح الشلة (أو الشلل)، والمتأمل للمجموعة التي تحكم البلد فعليًا (وريث زائد أمين تنظيم وعدد من رؤساء لجان البرلمان زائد عدد من قيادات أمانة السياسات) يكتشف (رغم أن القصة كما قلت دومًا أيضًا ليست في حاجة إلي اكتشاف بل إلي كشف) أنهم:
1 ـ مليارديرات (ليس فيهم من يملك أقل من مليار جنيه).
2 ـ ينتمون إلي عائلات من الطبقة المتوسطة العالية ساهم الأبناء بنفوذهم السياسي في انتفاخ ثروات العائلات، بحيث إن كفاح الأب عبر سنين عمره لم يجمع له ما جمعه ابنه في صفقة أو اثنتين من تلك المخلوطة بالسياسة.
3 ـ مرتبطون بتوكيلات أجنبية أو شركاء أجانب في أعمالهم وشركاتهم.
4 ـ معظمهم لا يملك في مصر فدادين ومزارع بل في الأغلب يملكون قصوراً وفيللا في الساحل الشمالي أو الجونة وعقارات ومنتجعات ويملكون مثلها في إسبانيا أو إنجلترا أو فرنسا، لكنهم مختلفون كلية عن باشاوات عصر ما قبل الثورة الذين كانوا يملكون مئات وربما آلاف الفدادين الزراعية في مصر أي أنهم يملكون طمي هذا الوطن!
5 ـ أصحاب جنسيات متعددة ويملكون إلي جانب جواز السفر المصري جوازات أخري.
6 ـ أقدم مشتغل بالسياسة فيهم لم يتجاوز من سبع إلي عشر سنوات اشتغالاً أو انشغالاً!
7 ـ طائراتهم الخاصة موجودة وجاهزة للإقلاع من شرم الشيخ والجونة في أي وقت.
لكن كل هذا تعبير عن هوس مجموعة متحكمة بالرأسمالية المتوحشة، كما أنها تؤمن بتخلي الدولة عن مهمة الرعاية والكفالة والضمانة للمواطن كأنه إيمان بعقيدة دينية، ماشي.. لكن هذه الموازنة التي تسحق حقوق الفقراء شهدت أمرين:
الأول: زيادة ميزانية وزارة الداخلية.
الثاني: وجود 22 مليار جنيه مصري فقط لا غير تحت بند مصاريف أخري أو مصاريف غير مذكورة
نعم يا خويا!!
يعني الداخلية وفهمنا إنها هي سر بقاء النظام والحصن الحصين والأمن الأمين لهذا الحكم، دعك من زيادة مهولة لحجم الجرائم وتدافع حوادث القتل المتوحش والسرقات العلنية والخطف والسرقات الجماعية والسرقات بالإكراه واقتحام البيوت وتبادل إطلاق الرصاص في الشوارع والهجوم علي المحاكم، دعك من كل هذا فهذا لا يفرق مع الدولة وأصحابها (لا أقول مسئوليها)، فقد زادت ميزانية الداخلية (لأنها «الجهاز» المدلل عند النظام وأصحابه ولا أقول مسئوليه) لكن ما المصاريف الأخري؟
يختفي في الموازنة العامة لعام 2009 مبلغ وقدره 220654 مليون جنيه (أكثر من 22 مليارًا) هذه الأموال مكتوبة كده في الموازنة التي وافق عليها مجلس الموافقة «قصدي الشعب» تحت بند قطاعات غير مذكورة أو شئون غير مذكورة!
طبعا أنا وإنت واللي مشرفينا في الفرح ممكن يتوقعوا الأخت غير مذكورة رايحة فين ومَنْ سيذكرها؟
هذه مليارات تذهب إلي أيدي مسئولين لا نعرف عنهم ولا عنها شيئًا فيما أنفقت ولمن ولماذا وما ضمانات إنفاقها؟
أليس وارداً أن يتم نهبها وسرقتها، أو أن تروح في إنفاقات بذخ وكلام فارغ؟
أليست هذه أموال الشعب ومن حق اسمه إيه ده الشعب يعرف مصيرها؟
وهكذا كذا ولا في بلاد الواق واق، آه يحصل في بلد الواء الواء بتاعتنا حيث كلنا عيال لا نفهم، بينما هناك حزب واحد يعرف ويفهم ومِنْ ثم لا داعي لأن نفكر أو نعترض أو نتضايق ونغضب ونزعل، طبعًا نضحك، نضحك علي أنفسنا ونترك الماشي ماشي والراكب راكب ودع التاريخ يأخذ مجراه والهرتلة تأخذ مضاداً حيوياً والفساد يعلو ويعلو ويسود ويسوس، والنتيجة أن القمح فيه سوس، يا خبر إسود والتسويس التسويس، مش مهم، أنا معجون مخصوص علشانكم، الميه فيها صرف صحي، مش مهم، ألا يكفيكم أن نشرب من البحر؟!
الغريبة إن الفساد لم يعد المشكلة الجوهرية والعميقة، بل عادية الفساد هو الكارثة، أن نتعود عليه ونعتاده ولا نندهش منه ولا نتمرد ضده ولا نحاربه بل العكس ما يحدث، مصر عاملة زي اللي ضارب اسبراكس في تخشيبة الوطن مخدرة لا فالح فيها ضرب علي الوجه أو علي القفا، ولا نغز بقرن غزال أو جلد بكرباج، ولا متأثرين خالص، محلقين في السقف مع نصف ابتسامة وتغميضة من العين الشمال ولا حاسين بما يجري فينا وبنا، بيقولولك فيه في الموازنة اتنين وعشرين مليار جنيه مصاريف غير مذكورة.. مذكورة دي خالتك!


الاثنين، ديسمبر ٠١، ٢٠٠٨

الثلاثاء، نوفمبر ٠٤، ٢٠٠٨

فرس الرهان... العبقري!




جلست أفكر قليلا في حالنا، وسألت نفسي سؤالا... فيمن أري الأمل القادم؟! خلصت إلي إجابتي... بقناعة تامة.. إنهم هم ولا شك..!

---
كنت مع عبد الرحمن منصور، وأحب النقاش معه كثيرا، فسألته نفس السؤال الذي كان يدور في ذهني... علي من تراهن لصنع مستقبل أفضل؟! فكانت إجابته، كما كانت إجابتي، وبقناعة تامة أيضا.. إنهم هم ولا شك..!
---
أعطتني سنوات الكلية فرصة للمشاركة في بعض الأنشطة الطلابية، وفيها تعلمت الكثير، ولكن فوق كل شيء، اكتسبت هذا الأمل الذي يحيا بداخلي، اكتسبت تلك القناعة التي أؤمن بها، إنهم هم الأمل.. إنهم هم ... فرس الرهان لتغيير واقعنا إلي الأفضل.. إنهم هم... وليس غيرهم...
إنهم الشباب!
رأيت الشباب قادرا علي فهم أساتذته و الاستفادة من علمهم، و رأيت الشباب قادرا علي الاستفادة من خبرات سابقة والإضافة الإبداعية إليها، وأهم شيء... رأيت الشباب قادرا علي الحلم.. والبناء!

ذات يوم سألتني أستاذتي إذا كنت قرأت رواية "الأمير الصغير"، وأجبت بالنفي، قالت "إذا كان هناك كتابا واحدا سأنصحك بقرائته في حياتك فهذا هو" ! تعجبت...

حصلت عليه وقرأت القصة، لطيفة جدا... ولكن لماذا قالت هذا يا تري؟! ممممم.. ظللت أفكر في المعاني التي تناولتها الرواية.. ووصلت لكثير منها، ولكن ما استوقفني هي أنها رواية تدرس لطلاب المرحلة الإعدادية في فرنسا وفي دول أخري!!
قابلت أستاذتي في اليوم التالي، وسألتني عن المعني الذي استوقفني في الرواية.. لا أذكر إجابتي، ولكني أذكر ابتسامتها المشرقة، وصمتها قليلا ثم كلامها...
"أنا عجبتني قوي فكرة استغراب الأمير الصغير من عالم الكبار، واعتباره إنه الإنسان يولد عبقريا، ولكنه يفقد عبقريته كلما تقدم في السن، فكرة إنه الصغيرين هما العباقرة... الفكرة دي عجبتني قوي"!!! تركتها يومها وأنا أفكر... ثم قلت... وأنا كمان.. الفكرة دي عجبتني قوي!!

في فعالية افتتاح المنتدي الثقافي للشباب هذا العام، كان الحفل يشهد احتفاءا بذاكرة المسيري، عرض فيلم قصير من إعداد فريق عمل المنتدي عن المسيري، وكان هناك تعقيب عليه من زوجة الدكتور المسيري رحمه الله، وابنته الدكتورة هبة رؤوف – كما تحب أن تقول هي – وكلاهما اتفق في وصف أستاذنا المسيري بصفتين.. الأولي أنه كانت لديه روح الطفل الصغير المشاغب، و الثانية تشجيعه للشباب الصغير الذي كان يري دائما في أفكارهم إبداعا يدهشه حتي وإن لم تكن أفكارهم بدرجة من العبقرية تستحق أن يلقي لها من هو في مكانته بالا.. ولكنه كان مع ذلك.. يستمع لهم.. مندهشا!! فكرت في الأمر... وقررت الدهشة!

تم تعيين سناء – التي هي في مقام أختي – معيدة في كليتنا الموقرة :) حضرت السكشن الذي تدرسه هي لطلاب الفرقة الثالثة، ثم تناقشت معها في بعض الأفكار، وقبل أن أتركها تذكرت رواية الأمير الصغير، فشعرت أني أحسدها كثيرا علي مكانها، فهي ستستطيع أن تبقي علي اتصال دائم بالعباقرة الصغار، وسيمثل لها ذلك بلا شك مخزنا للإبداع لا ينتهي، أخبرتها بذلك... وتركتها وما زلت أشعر بغيرة شديدة... سوف تتعلم الكثير من هؤلاء العباقرة!!


بالأمس، كانت ندوة بعنوان المسيري الإنسان، كان مما بدأ به الدكتور رفعت العوضي كلمته دعاء أن يعوض الله أمتنا عن فقدان المسيري، تذكرت حديث نزع العلم من الأمة بقبض العلماء...! بدأت أحزن.. ثم فكرت قليلا... ألا يمكن أن تكون هناك حكمة وراء هذا؟؟؟ ألا يمكن أن يكون وفاة من هو مثل المسيري رحمه الله ليترك المجال مفتوحا أمام تلامذته ليقدموا إبداعاتهم و إسهاماتهم؟ ألا يمكن قراءة وفاة أستاذ، علي أنها ميلاد أساتذة... كانوا هم تلاميذه، وميلاد تلامذة جدد... لهؤلاء الأساتذة.. ارتحت كثيرا لهذه الفكرة.. وسعدت بها... نعم... هكذا تكون قراءة الموقف... نعم... لقد ولد أساتذة صغار... وتلاميذ صغار... ولأنهم أصغر... فهم يعطونني الأمل... كما كانوا يعطونه لأستاذهم رحمه الله... الأمل يأتي مع دهشة الأطفال.. رحمك الله يا مسيري!

لأجل هذا وأكثر، أري الأمل في الشباب، أري المخرج من المآزق الحالية في الاعتماد علي الشباب، أري المستقبل مضيئا.. ما دام يصنعه الشباب!!

فرجاءاً... أيها الكبار، آمنوا بالشباب... لتروا فيهم هذا الأمل... لتروا فيهم هذه العبقرية... لتروا فيهم هذا المستقبل المضيء.

ورجاءاً، أيها الشباب... آمنوا بأنفسكم... وأعطوا أنفسكم المكانة التي تستحقونها... في صفحات التاريخ!

الاثنين، نوفمبر ٠٣، ٢٠٠٨

أوجه التقصير والقصور في التعامل مع فكر المسيري





يشاع في الأدبيات العربية والإسلامية أن المفكر الإنساني عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، من المتخصصين في الصهيونية ومتعلقاتها، فلا يكاد يذكر اسم المسيري حتى ينصرف الذهن مباشرة إلى موضوعات من قَبيل اليهود واليهودية والصهيونية.

وإذا أردنا أن نوظف بعض المباحث اللغوية واللسانية لقلنا إن المسيري هو الدال، والصهيوينية هو المدلول. المسيري هو الحقيقة والصهيونية هي المجاز.

بل إن السامع لكلمة "المسيري" تضعه بشكل مباشر على أرض فلسطين التي تشهد صراعا وجوديا مع الكيان الصهيوني، وبهذا نكون قد تعاملنا مع "المسيري" وكأنه "شيء" بسيط يُختزلُ في بعض الوقائع -على أهميتها- أو في بعض الاتجاهات -على خطورتها-، وهذا شأن اللغة الرياضية التي تغيب فيها المسافة بين الدال والمدلول، أو تكون قصيرة، من السهل العبور فيها من الدال إلى المدلول أو من المدلول إلى الدال.

وإذا كان المسيري ما فتئ يحذر من خطورة النماذج الاختزالية التي تختزل الإنسان في بُعد واحد أو بعض الأبعاد أثناء التعامل مع الظواهر والقضايا المركبة، إلا أن "لعنة" الذهنية الاختزالية قد طاردته، وليس فقط موضوعاته وقضاياه.

ولعل سبب هذه النظرة الاختزالية آيلٌ إلى كون المسيري ألّف موسوعة لم يسبقه إليها أحد في عالمنا العربي والإسلامي، فالموسوعة إنجاز معرفي علمي ضخم.

لكن المشكلة أن الجهد الأكبر الذي يبذله رواد تلك النظرة الاختزالية منصرفٌ بالأساس إلى ما جاء في الموسوعة من معلومات. وليس منصرفاً إلى الإطار النظري الفكري الذي ينتظم وتدور حوله تلكم المعلومات.

والمسيري صرّح في أكثر من مناسبة أنه في الموسوعة درس الصهيونية كحالة، وطبق عليها منهجه الفكري والمعرفي. وهذا المنهج "صالح" للتطبيق على موضوعات وظواهر أخرى.

وفي رأينا إن كان لا بد من تحديد تخصص معين للمسيري، فإننا سنجد أقرب تخصص إليه هو دراسة النماذج المعرفية، ونقد الفكر الغربي والحضارة الغربية.

ومَرَّةً قُلتُ لبعض الذين يعتقدون أن المسيري مرجعٌ في فهم الصهيونية وليس مرجعا في نقد الحضارة الغربية: كيف يُعقل أن يكون المسيري الذي يعتبر الصهيونية (و"إسرائيل") امتدادا للحضارة الغربية أو بالتدقيق امتدادا للتشكيل الاستعماري الغربي؟ كيف يمكن لرجل هذا مذهبه في التفكير والمقاربة، أن يكون مُلمًّا بالصهيونية وإسرائيل دون أن يكون على درجة كبيرة من الفقه والفهم فيما يتعلق بالحضارة الغربية؟

ونزعم أن الخطاب الإسلامي والعربي المعاصر يعتريه مُركبٌ من القصور والتقصير بخصوص العلاقة الفكرية التي يربطها بفكر المسيري. ولهذا المركب من التقصير تجليات سنقف عند بعضها فقط.


1- غياب الاستثمار العملي لأطروحاته بخصوص الصهيونية
هناك تقصير في تحويل الأعمال التي أنجزها المسيري بخصوص الصهيونية، خاصة موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، إلى إستراتيجيات وسياسات وخطط عمل.

وفي هذا الصدد، أستبق التحليل والنقاش، لأتساءل: كم من زعيم عربي وإسلامي قرأ بتأنٍ موسوعة المسيري، ورتب نظرته لإسرائيل بناء على نظرة المسيري الأكاديمية؟

إن فهما جيداً لهذا الكيان، وإدارةً ناجحةً لهذا الصراع يتطلب التسلح برؤية دقيقة وعميقة. والبحوث الأكاديمية، التي على ضوئها تتشكل الرؤى والتصورات، ليست إضافات زخرفية ومتحفية، بل لا بد من النظر في المقتضيات العملية المترتبة عن تلك الرؤى والتصورات.

وقد تكون رؤية المفكر أدق من رؤية السياسي، فالكثير من التفاصيل الجزئية لا يمكن أن تفهم على حقيقتها إلا إذا تمت إحالتها على الخيط الناظم الذي تنتظم حوله تلك التفاصيل والجزئيات.

ونعتقد أن المسيري، رحمه الله، قد وضع مجموعة من "القواعد النظرية" سواء لفهم "إسرائيل" (الفهم النظري المعرفي) أو من أجل بناء تصور لكيفية خوض المواجهة مع هذا الكيان (التصور العملي الكُلِّي).

فالمسيري، في هذا الشق الثاني، وضع خطوطا عملية عريضة للمواجهة (أو الحوار الشامل، وضمنه الحوار المسلح. كما هو مصطلح المسيري).

لكن الناظر في الكيفية التي يشتغل بها العقل السياسي العربي والمسلم لمواجهة إسرائيل سيكتشف أن تلك "القواعد النظرية" ليست لها مصاديق على أرض الواقع.

وسنورد بشكل سريع ثلاث قواعد نظرية نعتقد أنها بمثابة قواعد هادية للانخراط في حوار (بمفهومه الشامل) ناجح مع إسرائيل ينتصر للقيمة التي هي قطب الرحى في فكر المسيري، أقصدُ "قيمة العدل".

القاعدة الأولى: "إسرائيل امتداد للتشكيل الاستعماري الغربي"، أي أنه لفهم هذا الكيان لا بد من استيعاب ثوابت ومُطلقات الحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة.

القاعدة الثانية: "إسرائيل ليست دولة دينية". فكلما كان تشخيصنا دقيقا لطبيعة إسرائيل، من حيث هويتها الثقافية والفكرية، إلا وكان بناء خيارات وعناصر المواجهة متسما بقدر كبير من الاتساق والمتانة.

القاعدة الثالثة: "انهيار إسرائيل لن يكون من الداخل إنما من الخارج".


لكن الذي نلاحظه في صفوف الكثير من القطاعات العربية والإسلامية هو سيادة فكرة "الدولة الإسرائيلية الدينية"، دون أن تستند تلك الفكرة وهذا التوجه إلى دراسات تتسم بقدر عالٍ من الصدقية والمشروعية النظرية.

وغالبا ما يتم التعامل مع إسرائيل على أساس أننا نعرفها، ونعرفها لأن الله تعالى قد قَصَّ علينا أحوال اليهود، ولأن الصراع معهم صراعٌ أزلي تُصدقه النصوص وتدعمه الوقائع, وبالتالي فإن المسألة بالنسبة لهذا النوع من التفكير قد حسمها النص المقدس، ولا داعي للاجتهاد بخصوصها.

لكن المسيري كما فعل في موسوعته رجَّح "منهج الفهم" على "منهج التغيير". فلم ينظر إلى واقع الصراع مع الكيان الصهيوني من أجل تغييره فحسب، إنما من أجل فهمه أولا.

أما بخصوص القاعدة الثالثة، فإن مفهومها هو أنه لا يمكن الفصل بين مواجهة "إسرائيل" ومواجهة "المصدر" الذي يمد "إسرائيل" بعناصر ومقومات البقاء. لكن ما نلحظه هو فصل تعسفي لـ"المواجهتين" في حالة يستحيل معها الفصل والبتر.

سقنا هذه الأمثلة فقط لتبيان كيف أن رجل السياسة ( Le politique) لم يستفد بما فيه الكفاية من رجل العلم (Le savant).


2- التقصير في الاستفادة المؤسسية من اجتهاداته المعرفية
يتمثل التقصير الثاني في "عزوف" العقل الإسلامي المعاصر -دون أن نعمم- عن "واجب" الاسترشاد بما قدمه المسيري من اجتهادات نظرية ومعرفية، غير تلك التي دونها في موسوعته المتميزة.

وأنا هنا لا أتحدث عن الاستفادة والاسترشاد على المستوى الفردي، إنما أقصد بالضبط الاستفادة والاسترشاد المؤسسي، وصوغ نظريات للتغيير والإصلاح والتجديد بناء على تلك الاجتهادات النظرية والمعرفية.

ولهذا "العزوف" أسباب، منها:
السبب الأول: يتعلق بتلك الصورة النمطية التي استقرت في أذهان الكثيرين من كون المسيري مرجعا في الصهيونية. وأنه بعيد عن الحقل المعرفي الإسلامي.

ونعتقد أن المسيري قد تَشكّل لديه "منهج معرفي" محدد المعالم والسمات، وعن طريقه يقارب مجموعة من الظواهر ويقدم قراءته الخاصة انطلاقا من ذلك المنهج.

السبب الثاني: يتمثل في التحولات العميقة التي عرفها مسار المسيري الفكري، والتي توجت باعتماد الإسلام أرضيةً للاجتهاد والانطلاقة الحضارية. ومن منطلق هذه التحولات الجذرية، استقر في البنية الذهنية لـ"العقل الإسلامي التقليدي" أن كل ما له علاقة بالاجتهاد هو حكرٌ على طائفة من الناس دون غيرهم، وهي طائفة الفقهاء (بالتعريف الضيق لهذه الكلمة).

بهذا أصبح الاجتهاد في النص الإسلامي من أجل توليد النماذج والرؤى و"النظريات" حكرا على تلك الطائفة.


3- التقصير في الاسترشاد بنقده للحداثة والحضارة الغربية
للحضارة والحداثة الغربية، بطبعتها المعاصرة، بريق خاص (ذات جاذبية عالية بتعبير المسيري). واستطاعت أن تخترق العالم بفضل اشتغالها على خطين، وهما: الخط الفلسفي الفكري، والخط القيمي الثقافي. وبفضل اعتمادها على ثُلاثية الإغراق والإغراء والإغواء.

فبإغراق السوق بالمنتوجات الثقافية، التي تبدو في ظاهرها بريئة، يحدث الإغراء الذي هو "شعور نفسي" أكثر منه "سلوك عملي" (أو يمكن تسميته بـ"حديث النفس")، وبعد الإغراء يحصل الإغواء الذي هو "سلوك عملي".

وبالتالي فإن أي نقد بسيط لهذه الحداثة لا يزيدها إلا قوة ومصداقية. ومن هنا يتبين مدى حاجة العقل الإسلامي للنقد الذي يوجهه المسيري للحداثة الغربية، وهو الذي درس هذه الحداثة من الداخل و"حاكمها" إلى نصوصها المرجعية، وليس إلى نصوص أخرى مفارقة لتلك النصوص، وكشف عن الفجوات المعرفية التي تعتري بناء "الحداثة الغربية"، ناهيك عن معايشته المباشرة لتجليات تلك الحداثة.

من ناحية أخرى، وأمام جاذبية "الحداثة الغربية"، يلجأ الخطاب الإسلامي المعاصر إلى "أسلوب الدفاع"، فعندما يقال له إن الحداثة الغربية قد حققت الحرية للإنسان الغربي، أو عندما يروى له أن النظم السياسية الغربية -النظام السياسي الأميركي على وجه الخصوص- هي نظم، فعلا، ديمقراطية. إلى غير ذلك من القضايا التي تتكئ عليها الحداثة الغربية من أجل اكتساب المشروعية والمصداقية، يسلك هذا الخطاب مسلكين على الأقل، وهما:

المسلك المستبطَن: بمعنى أن العقل الإسلامي، عندما يواجه بتجليات الحداثة الغربية، يصوغ خطابا يستبطن فيه التسليم بكون المجتمع الغربي بالفعل مجتمعا حرا. وبكون النظم السياسية الغربية حقيقة نظما ديمقراطية. فمثل هذه الأمور، وفق هذا المسلك، بمثابة مسلمات لا تقبل النقاش.

ألا يحق لنا أن نتحدث هنا عن حصول "إغواء في المقاربة" بعد أن حصل "إغراء على مستوى المقولات" نتيجة "إغراق السوق" بتلك المقولات سواء كان إغراقا رمزيا أم إغراقا أدبيا أم إغراقا ماديا؟

الثاني: بعد التسليم بكون تلك المقولات بمثابة "مسلمات"، لم يبق أمام العقل الإسلامي إلا أن ينتج خطابا يُبين فيه أن منظومتنا الإسلامية لا تعدم أفكارا أقرب إلى الديمقراطية، وهناك من يؤصل لها على المستوى الديني، وبأن هذه المنظومة تملك تراثا ثريا بخصوص حقوق الإنسان. وهذا مسلك يعزز الحداثة ولا ينفذ إلى عمقها من أجل نقدها، ولم لا نقضها!

أما المسيري فلم يسلك هذين المسلكين. لم يسلك المسلك الأول الذي يُسلم فيه بصدق تلك المقولات (الحرية وديمقراطية النظم في مثالنا)، بل تجرأ على نقدهما، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المقولات طابوهات لا يمكن الاقتراب من مناقشتها أو الحوار بخصوصها، وبالأحرى نقضها.

ولم يسلك المسلك الثاني الدفاعي، بل بَعْدَ نقده للأسس الفلسفية التي تستند إليها تلك المقولات (والمنتوجات الثقافية في مناسبات أخرى) قام ببناء تصور لما يمكن أن يكون عليه النموذج الذي بإمكانه أن يعيد للإنسان إنسانيته وكرامته وللحياة معناها ووجهتها، بمعنى قام المسيري بتأسيس حداثة بديلة عن تلك الحداثة السراب.

من ناحية أخرى، إن توصيف المسيري مثلا لـ"ماهية وطبيعة الحضارة الغربية" مغاير لتوصيف جزء كبير ومهم من الخطاب الإسلامي المعاصر، والذي يعتقد أن الغرب غرب مسيحي، وبأن المعركة هي بين الإسلام والمسيحية، مما يفقد الخطاب الإسلامي القدرة على التأثير في الغرب نفسه.

لكن بـ"التوصيف المسيري" الذي يرى أن الغرب لا دين له، وأنه لا يفهم إلا ما تقع عليه حواسه ولا يعرف إلا مصالحه. بهذا التوصيف نحن قادرون على كسب الآخرين -في الغرب وفي غيره- ليس إلى صف المشروع العربي الإسلامي، إنما إلى صف الرؤية التي يعتقد المسيري أنها هي المستهدفة من جراء سيادة هذه "الطبعة والنسخة السيئة" من الحضارة الغربية.

وهي رؤية تلامس تلك النفخة من روح الله تعالى، واللصيقة بالإنسان -مطلقِ الإنسان- في الغرب كما في الشرق، وفي الشمال كما في الجنوب. إن المسيري بهذا التوصيف يدعونا -ضمنا- إلى كسب المجتمعات الغربية إلى صف تلك الرؤية، أو لنقل كسبها من أجل الوعي بأهمية تلك "النفخة" وبخطورة المساس بها.
ـــــــــــ
كاتب وباحث مغربي


الجزيرة-المعرفة

الاثنين، أكتوبر ٢٧، ٢٠٠٨

شوارع القاهرة: وجوه وأصوات وأحزان


شوارع القاهرة: وجوه وأصوات وأحزان


أستاذتي هبة




قابلني زميلنا الشاب الصحفي والباحث خليل العناني في ندوة ثقافية نظمها طلاب كلية الاقتصاد في ذكري ميلاد الدكتور عبد الوهاب المسيري فقال: «يا دكتورة يكفي كلام عن هموم وسط البلد والطبقة الوسطي واهتمي بالغلابة، أنت تشكين من القمامة وغالبية سكان القاهرة يشكون من المجاري الطافحة والشوارع التي اختفي لونها تحت الردم والتراب وفوضي التوك توك والميكروباصات.. وفقر الخدمات وغياب دور الحي.. تحدثي عن الأحياء المنسية والعشوائيات التي تعيش في العصر الحجري بدون ماء أو صرف صحي..»

والحق أنني قد تجولت خارج وسط البلد واتهام خليل لي بأنني أتحدث عن الطبقة الوسطي غير صحيح، فقد قابلته يومها بعد نضال في شوارع ترسة والطالبية لمدة ساعتين محاولة الخروج بعد أن دخلتها من جهة المنصورية ولم أستطع الخروج إلا بعد عناء!

وجدت نفسي هناك في عالم التوك توك الذي وصفه خليل والذي ذكرني بشوارع بومباي، وبعد تجوال في شوارع ينتشر بها طفح المجاري وتعج بالفوضي الخلاقة والزحام المذهل والميكروباصات التي تسير في كل اتجاه تحولت للحواري الضيقة التي تنتشر فيها القمامة وتفتقر لأعمدة النور وللعناية المتمدنة من الدولة.

الناس تعاني الإهمال ويكسو وجوهها الوجوم، ورغم ذلك تبحث عن الجمال، في أصص الزرع في الشرفات أو شجرة يغطيها التراب يحرص صاحب متجر صغير علي أن يرويها كأنه يتحدي القبح السائد حوله.

الطريف أن دخولي لترسة كان قدوماً من التجمع الخامس حيث كنت في الصباح أتجول في الأحياء الجديدة وأتأمل القصور الفخمة التي تزين حدائق البعض منها تماثيل رخام ذكرتني بعبد الحليم حيث كان يغني «تماثيل رخام عالترعة وأوبرا» في أغنيته الشهيرة «صورة». كنت كلما سمعت هذا المقطع سقطت من الضحك.. فالفلاح المصري لديه فنون أرقي من الأوبرا بكثير ولديه إبداعات فنية من عصر الفراعنة أجمل من تماثيل الرخام، وها نحن بعد قرابة الستين عاماً من الثورة نشاهد تماثيل الرخام في حدائق قصور التجمع الخامس والفلاح المصري ليس علي ترعته إلا الفقر والمعاناة من التهميش!

المقارنة كانت قاسية.. التوك توك في مقابل الـ«هامر»، والبيوت التي تميل علي بعضها كأنها عجائز تتساند في مقابل القصور المشيدة، والشباب المتسكعون في مقابل شباب الجامعات الأجنبية والخاصة وتجوالهم في محلات الوجبات السريعة وخروجهم منها يحملون «الكابوتشينو» في مقابل آخرين يحلمون بكوب شاي بالنعناع وسندوتش حواوشي.

في الجامعة الأمريكية حيث كنت في الصباح في التجمع أشتري بعض الكتب لا أدري ما الذي دهاني فأحسست أني أريد أن أشتري سوبيا.. هذا المشروب العبقري الذي أحبه.. ونظرت حولي فلم يكن هناك سوي فروع لسينابون وسيلانترو يصطف حولها الطلاب. سألت نفسي لماذا لا يفتح «أبو طارق» محل الكشري الشهير فرعاً في التجمع بل في قلب الجامعة الأمريكية، وما الذي يمنع سيلانترو وسينابون من فتح فروع شعبية بأسعار أقل في العمرانية والطالبية بما أن هامش ربحها مبالغ فيه!. ولتعتبره من باب «المسئولية الاجتماعية للشركات»..!

هناك انشطار واضح في مجتمعنا ليس فقط في تميز أحياء وتجاهل أحياء من علي خريطة تفكير الدولة تماماً، بل في تفاصيل الحياة الصغيرة، هذا الانشطار الذي أورثنا تمييز الناس بين «أولاد ناس» و.. «ناس بيئة»، مع اختفاء وصف «بلدي» الشهير الذي ساد سابقاً!

من «أحراش» الهرم خرجت بصعوبة، نصف ساعة كي أجد «تاكسي» يوصلني لجامعة القاهرة، واقتراح من سائق ميكروباص أشفق عليّ ونصح بأن آخذ توك توك لآخر نقطة في الطالبية ثم من هناك ميكروباص لميدان الجيزة ثم تاكسي للجامعة. أخيراً وجدت «تاكسي» أخذني علي مضض بعد أن استعطفته أن عندي محاضرة في الجامعة، ووصلت في نصف ساعة بالعافية.

هناك أدركني أحد الطلاب معتذراً عن الوصول متأخراً هو الآخر فقد ضرب أمين الشرطة سواق الميكروباص وتأخر في دار السلام فأخبرته أنني وصلت للتو، وضحكت لأن طالباً في الجامعة الأمريكية في الصباح كان يعتذر للشلة أنه تأخر لأن السيارات في خارج الجامعة اصطفت في الصحراء وأخذ وقتاً كي يجد مكانًا قريبًا من باب الجامعة، وعلمت من سير الحديث أن السيارة التي يتحدث عنها هي سيارته البورش الجديدة!

توك توك، بورش، تماثيل رخام، مجاري، قصور عشش وبيوت قديمة كالحة، قاهرة تموج بالفوضي الاجتماعية وشوارع تحمل من الحزن ما ينوء بالعصبة أولي القوة.. وحكومة تتحدث عن أن السيد الرئيس يعطي للمواطن البسيط الأولوية ويتعامل مع الصحفيين باعتبارهم أبناءه.

شكرا يا خليل علي العتاب، لكن أنا تجولت، وتأملت، وصرخت، وكتبت، وحوقلت، ودعيت علي الظالم، وبصدد تكوين حركة الشارع.. شارع مشترك. وشارع نحترمه، شارع يصلح للعيش ومكان يجمع الناس ويبني المشترك بين الناس البيئة والهاي كلاس والطبقة الوسطي المحشورة في النصف باعتبارهم جميعاً مواطنين.. أولاد حواء وآدم.. ووطن مشترك.. واعتبر نفسك عضوًا مؤسسًا..

والدعوة عامة.


الجمعة، سبتمبر ٢٦، ٢٠٠٨

رمضان.. والغيب

رمضان... والغيب



أول صفات المتقين في كتاب الله في مفتتح سورة البقرة أنهم يؤمنون بالغيب.. وآخر رمضان ـ شهر القرآن ـ عتق من النار، وبين قبول الإيمان بالغيب.. والعتق من النار يوم القيامة.. مسيرة من «حياة العبادة» لله رب العالمين بمعناها الشامل، قبل الميلاد في هذا العالم كانت «كن».. الخلق الأول.. وكان سؤال.. «ألست بربكم؟».. وجواب « قالوا بلي».. مروراً بعرض الأمانة وتحمل الإنسان لها.. إلي نزوح الروح لتسكن في صورة الجسد وتحيا في هذا العالم كدار ابتلاء.. وتؤدي الخلافة في الأرض: من كدح.. وسير.. وقوامة وشهادة.. وإقامة الصلاة وإنفاق من رزق الله، واتباع ما أنزل الله علي رسوله «وإيمان بما أنزل من قبله» من شعائر وشرائع، وجهاد في ترويض النفس وسعي لاتباع الهدي، وتجدد لليقين بالآخرة علماً وحقاً.. إلي أن يحمل الموت ثم الحشر تلك النفس إلي: عين اليقين.
.. «وقل اعملوا».
العتق من النار هو جزاء حياة يختزلها شهر رمضان في ومضات، وتختزنها لياليه في نفحات، ذروتها ليلة هي خير من ألف شهر ـ حساب عمر الإنسان لو مد الله له فيه فجاوز الثمانين ـ حياة تقوم لو شاء الإنسان علي اختيار حر للإيمان بالله الذي لا تدركه الأبصار.. فهو غيب، وملائكته الذين هم.. غيب، وكتبه التي هي من مصدر الغيب، ورسله الذين نصدقهم فيما يخبرون عنه من غيب، واليوم الآخر الذي هو غيب، والقدر الذي هو غيب.
حكمة التشريع قد يدركها العقل حين يجتهد، لكن تبقي فيها أبعاد من التعبد.. بالغيب، وهنا التسليم بحدود العقل إدراك لمساحات الغيب.. والغيب: غيب الزمان: أزل وأبد، وغيب المكان: آن وزمن، وغيب الوجود: ما غاب من المُلك وما غاب من الملكوت، وغيب العوالم والأكوان، بل ما غاب عنا منا في أعماق النفس من فطرة التوحيد ونزعة الطين.. نعيد اكتشافه ونجلو أدرانه.. بالعبادة.
عنصر الغيب في حياة المؤمن حي وحاضر، وله في تفاصيلها تجليات، وهو يرسم حدود العقل لكنه يفتح له آفاق الحرية، ولأن الله وحده الأعلم.. فعلي العقل أن يسعي ويجتهد، ولأن الله وحده هو الأعلي.. فعلي البدن أن يسعي وينطلق، ولأن الله وحده هو الأحكم.. فعلي البشر أن يتعارفوا ويتعاونوا ويتدافعوا، ويختاروا.. ويتحملوا مسئولية ذلك كله، ويوم القيامة ينبئهم بما كانوا يعملون.. ويفصل بينهم.
لكن الإنسان.. ينسي، وقد يهتز ميزان الغيب في وعيه.. ، فيجهل، ويغفل، وييأس، ويطغي، لذا يحتاج لتذكرة.. ورمضان من محطات التذكرة التي تمتد شهرا كل عام، والحج مثله ـ ولو مرة في العمر، وهو فرصة لشحذ الذاكرة الإيمانية للإنسان، وترويض للجسد لتشرق الروح، وتربية الفرد لتنمو الجماعة، وهو موسم للربانية لتسمو البشرية، وكسر لعادات الأوقات لنسترد الوعي بالأزمنة الممتدة في ذواتنا وفي مساراتنا وفي مآلاتنا.. نحو الرُجعي.
حين يقول الله تعالي «الصوم لي.. وأنا أجزي به» فإن معني معية الله ومراقبته وتقواه يصبغ تلك العبادة، فيوقظ الوعي بحضور الغيب في الشهود، وشهادة الحضور بالإيمان بالغيب، وحين يحث الله علي العمل فيه ويجزل العطاء سبعين ضعفاً ـ ولديه مزيد ـ فلكي لا يظن ابن آدم أن «.. لي.. » رهبانية أو انقطاع.. بل هو له إخلاصاً في العمل ومراقبة لله في السعي، وحثاً علي الإحسان.
فالله عز وجل يلفتنا للعلاقة الوثيقة بين رحمته.. وسعينا بالمعروف، ورحمتنا بالخلائق، والعلاقة بين مغفرته وعفونا عن عباده، والعلاقة بين تقواه بالغيب في السر والعلن.. ووفائه لنا ـ يوم القيامة ـ بذلك: ديننا الحق.. بالعتق من النار.
وكمال العبودية لله بالتوحيد.. عتق من أسر ما عداه، وجائزته: العتق من النار.. ومن آمن بالغيب منحه الله مفاتيح الشهادة وسخر له أسباب المادة ومكنه من الأسرار الكامنة بين الكاف والنون.. وآتاه الحكمة، وعلمه، وفهمه، ورزقه نوراً يمشي به.. وبصيرة.. ففاز بالدنيا.. والآخرة.
وقد قص الله في الكتاب القصص علي رسوله من أنباء الغيب.. ليثبت به الفؤاد، ليدرك سنن التاريخ، وحدثنا عن عوالم أخري هي من الغيب الخفي عنا كي لا نطغي، ونعلم أننا لسنا وحدنا في هذا الكون.
وخشية الله بالغيب هي التي تورث العبد رحمته ومغفرته، وتورث البشرية عمرانها.. والحياة الطيبة.
ومن آيات الله وفيض منته أنه يمنح العبد مفاتيح التعامل مع الغيب «لا مفاتيح الغيب فتلك لا يعلمها إلا هو.. ولا يطلع علي غيبه أحد»، ومن مفاتيح التعامل مع الغيب: الدعاء، وفي الحديث: «لا يرد القضاء.. إلا الدعاء»، فما أكرم الغفور الرحيم في عطائه، وما أقربه ممن دعاه، وما ألطفه بعباده.
الحمد لله رب العالمين.



أستاذتي هبة

الأربعاء، سبتمبر ٢٤، ٢٠٠٨

عايز أخبار؟ ما تيجي نجوجل!




هل بت تشكو مثل الجميع من زحمة الحياة وضيق الوقت؟



تشعر أنك لا تكاد تلتقط أنفاسك من فرط السرعة؟



ينتابك الأسى لعدم قدرتك علي متابعة العديد من الأشياء والأخبار الهامة بالنسبة لك؟



حان الوقت الآن لتستفيد من التكنولوجيا والتقنية...









جوجل أحد أهم الحلول الرائعة لمتابعة الأخبار


فقط اذهب إلي


جوجل-الأخبار


وستقفز إلي آخر الأخبار العالمية



تجمع "أخبار Google" قصص ومقالات إخبارية من مصادر للأخبار تزيد على 150 مصدر من جميع أنحاء العالم، وترتبها أوتوماتيكياً ووضع أهم وآخر الأخبار في الصدارة. يتم تحديث موضوعات الأخبار كل 15 دقيقة، ولذا فمن المحتمل أن ترى قصصًا إخبارية جديدة في كل مرة تراجع فيها الصفحة. اختر المادة التي تهمك، ثم اذهب مباشرة إلى الموقع الذي نشر الموضوع الذي تريد قراءته.



ويمكنك أن تبحث فيها عن موضوع بعينه


أو أن تختار أخبارا من فئات محددة


مثلا


يمكنك مطالعة أخبار العالم العربي، والتي يتم تحديثها باستمرار من 150 مصدر أخبار


كذلك تستطيع أن تطالع جوجل-أخبار في أكثر من 30 إصدارا بلغات مختلفة




إن "أخبار Google" هي خدمة إخبارية غير عادية إلى حد بعيد، يتم فيها جمع حصيلة من الأخبار بواسطة عمليات منطقية وحسابية يقوم بها جهاز الكمبيوتر بمفرده، دون تدخل العنصر البشري. ونتيجة لذلك، يتم اختيار مصادر الأخبار بدون اعتبار لوجهة النظر السياسية أو المذهب الفكري، وذلك يمكنك من الاطلاع على مدى اختلاف الهيئات الإخبارية في نشر نفس القصة. هذه التشكيلة من وجهات النظر والأساليب فريدة من نوعها بين المواقع الأخبارية الموجودة على الإنترنت، ونعتبرها ضرورية في المساعدة على أن تظل على علم بأهم القضايا التي تهمك.



ميزات إضافية



[أخبار ذات طابع شخصي]


يمكنك أن تنشئ وتشارك إصداراتك ذات الطابع الشخصي من "أخبار Google". تُمكنك الأخبار ذات الطابع الشخصي من إنشاء الأقسام الخاصة بك في الصفحة الأولى من "أخبار Google" للتركيز عليها،مثل تقنيتك المفضلة، فريقك الرياضي المفضل.أو الترفيه المفضل لديك. يمكنك أيضا إعادة ترتيب الأقسام الخاصة بك و اختيار ما سيُعرض منها، وذلك بمزج ومطابقة أي قسم من الأقسام من الاثنتين وعشرين طبعة الإقليمية من "أخبار Google" من حول العالم.



[تتبع سِجّل و تاريخ القصص الإخبارية]


يمكنك تتبع تاريخ موضوع ما أو رصد قصة إخبارية متطورة بواسطة نقر الاختيار" الترتيب حسب التاريخ" في نتائج بحثك.



[البحث الخاص بدولة معينة]


أحيانا تريد معرفة وجهة نظر دولة معينة في قضية هامة. إن بدائل جوجل المتقدمة في البحث تمكنك من البحث عبر المصادر من دولة معينة.



[بحث خاص بالمصدر]


لو كنت- على سبيل المثال- تريد أن تجد مقالة قد رأيتها من عدة أيام في جريدة الشرق الأوسط ؟ خيار البحث المتقدم يسمح لك بقصر بحثك على مصادر أخبار معينة.



كن دائما علي معرفة بآخر الأخبار!


تحياتي،