أيام اشتراكية
منذ نعومة أظفاري أسرتني سيرة أبي ذر الغفاري، حتى أنني كتبت عدة مقالات في بداية خبرتي مع النشر منذ عشرين سنة بإمضاء "أم ذر"، وحسمت مبكرا أنني إذا خيرت ذات يوم بين رضا التيار العام والتصريح بالحق المر، فسأدافع بما أراه حقا حتى لو كان الثمن باهظا، ومع تقدم العمر أدركت أن التحزب مقيد للحرية، وأن التعسكر مضاد للعقل، وأن المشاركة الحر مع هؤلاء وهؤلاء بحسب المواقف وبحسب مساحة الاشتراك في الهم أكثر فائدة للجميع، ورأيت أنه من المفيد أن يكون هناك أفراد يمثلون جسورا بين الفرقاء، وحلقات وصل بين الجزر المنعزلة نحو مصالحة ثم تقريب ثم عمل مشترك، وتمنيت أن أكون منهم.
"ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم"... صدق الله العظيم. الاختلاف سنة من سنن الله في الكون، بل أزعم أن حفظه ورعايته يجب أن يوضع في مصاف مقاصد الشريعة العليا، حتى إذا ما أراد أحد من الناس أو تيار من التيارات مصادرة الحق في الاختلاف وإرهاب المخالفين وجب شرعا ودينا ومصلحة الوقوف في مواجهته ويكون فئة باغية؛ لأن الإسلام دين حرية وكرامة وصون للحق في التفكير والتعبير، وما الحوادث التي يرويها البعض من السيرة إلا استثناء يقدر بقدره، ولا أتجاوز لو قلت إنه تقدير نبوي يجب التحوط في التوسع في اتخاذه ذريعة لإسكات الصوت المخالف في الساحة السياسية أو المدنية أو حتى الاجتماعية.
من هنا سعادتي الغامرة بمؤتمر القاهرة لمقاومة الإمبريالية الذي يعقد سنويا في شهر مارس بنقابة الصحفيين، وتنظمه قوى شعبية وسياسية متنوعة من الإخوان للوسط لحزب العمل للناصريين للاشتراكيين لتجمعات مدنية متنوعة، و"أيام اشتراكية" كحدث مهم تشهده ذات النقابة [في ظل انكماش المجال العام في مصر] في شهر ديسمبر ويمتد من الخميس لليوم الأحد.
أشارك في تلك الأنشطة المهمة من منطلق ديني، ولو خيرت بين التبرع لإقامة مسجد والتبرع لأيام اشتراكية، الذي ينعقد بتبرعات الزملاء والمخلصين، فأنا أختار دون تردد التبرع لأيام اشتراكية؛ لأن المسلم يصلي في الشارع، لكن الاشتراكي [مسلما كان أم مسيحيا] لا يستطيع أن ينشط في الشارع؛ ببساطة لأنه لا يوجد شارع سياسي مفتوح للنشاطية ولا للتجمع ولا للجدل والنقاش ولا حتى للتظاهر الآن في مصر. وأمة لا تدرك أن التعدد والتنوع يحفظ لها روحها، وأن التعصب هو الأب الشرعي للاستبداد، هي أمة لن تحقق نهضة في الدنيا وسيكون حسابها عسيرا يوم القيامة؛ لأنها لم تدرك أن الاختلاف سنة الله في الخلق، وأن معارضة السنن الاجتماعية التي نص عليها الشرع منذر بزوال العمران.
بعد صلاة الجمعة الماضية توجهت للنقابة، وجدت أصدقائي من الاشتراكيين يرتبون المكان، وأمام صورة أحمد نبيل الهلالي وقفت في احترام، فهذا الرجل الذي آمن بالشيوعية مذهبا سياسيا [وليس عقيدة دينية-فهو لو لم يكن يتحدث عن تدينه، وليس هذا في الحقيقة شأن أحد] تنازل عن ثروته التي ورثها من والده رئيس وزراء مصر قبل الثورة، ودافع عن العمال والسجناء السياسيين عن أقصى الإسلاميين ليسار اليساريين. هذا رجل جدير بالاحترام، وغاظني قليلا أن يتم تصنيفه فقط كرمز اشتراكي، هذا الرجل كان مفخرة لأمته كلها."ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم"... صدق الله العظيم. الاختلاف سنة من سنن الله في الكون، بل أزعم أن حفظه ورعايته يجب أن يوضع في مصاف مقاصد الشريعة العليا، حتى إذا ما أراد أحد من الناس أو تيار من التيارات مصادرة الحق في الاختلاف وإرهاب المخالفين وجب شرعا ودينا ومصلحة الوقوف في مواجهته ويكون فئة باغية؛ لأن الإسلام دين حرية وكرامة وصون للحق في التفكير والتعبير، وما الحوادث التي يرويها البعض من السيرة إلا استثناء يقدر بقدره، ولا أتجاوز لو قلت إنه تقدير نبوي يجب التحوط في التوسع في اتخاذه ذريعة لإسكات الصوت المخالف في الساحة السياسية أو المدنية أو حتى الاجتماعية.
من هنا سعادتي الغامرة بمؤتمر القاهرة لمقاومة الإمبريالية الذي يعقد سنويا في شهر مارس بنقابة الصحفيين، وتنظمه قوى شعبية وسياسية متنوعة من الإخوان للوسط لحزب العمل للناصريين للاشتراكيين لتجمعات مدنية متنوعة، و"أيام اشتراكية" كحدث مهم تشهده ذات النقابة [في ظل انكماش المجال العام في مصر] في شهر ديسمبر ويمتد من الخميس لليوم الأحد.
أشارك في تلك الأنشطة المهمة من منطلق ديني، ولو خيرت بين التبرع لإقامة مسجد والتبرع لأيام اشتراكية، الذي ينعقد بتبرعات الزملاء والمخلصين، فأنا أختار دون تردد التبرع لأيام اشتراكية؛ لأن المسلم يصلي في الشارع، لكن الاشتراكي [مسلما كان أم مسيحيا] لا يستطيع أن ينشط في الشارع؛ ببساطة لأنه لا يوجد شارع سياسي مفتوح للنشاطية ولا للتجمع ولا للجدل والنقاش ولا حتى للتظاهر الآن في مصر. وأمة لا تدرك أن التعدد والتنوع يحفظ لها روحها، وأن التعصب هو الأب الشرعي للاستبداد، هي أمة لن تحقق نهضة في الدنيا وسيكون حسابها عسيرا يوم القيامة؛ لأنها لم تدرك أن الاختلاف سنة الله في الخلق، وأن معارضة السنن الاجتماعية التي نص عليها الشرع منذر بزوال العمران.
في الجلسة التي دارت كحوار بيني وبين "الرفيق" تامر وجيه [كما ينادي اليسار بعضهم بعضا-وهي مقابل الأخ لدى الإخوان] تناقشنا في مصدر الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين، واتفقنا علي أن هناك رؤي جديدة من أجيال مختلفة تريد عبور تلك الفجوات، ليس فقط نحو "العيش المشترك" كما نقول في وصف الوحدة الوطنية، بل نحو "العمل المشترك" وخدمة الأهداف السياسية والمدنية والديمقراطية التي نصبو لها جميعا.
الديمقراطية ليست نظما وقواعد، وليست انتخابات وجولات، الديمقراطية ثقافة تحترم الاختلاف، ولو كان محض الاختلاف مذموما، لما كان هناك من معنى لمفهوم الشورى، بل الاختلاف سنة والشورى مبدأ ومقصد، وكما قال الفقيه المعاصر الأستاذ توفيق الشاوي: الخلافة فرع عن أصل هو الشورى. والشورى أصل من أصول الفقه الإسلامي في الإدارة السياسية، لا تستقيم إذا لم نحترم الخلاف... بل نختفي به، ونسعى لإدارته بالحكمة، والجدل بالتي هي أحسن. للاشتراكيين أخطاء، وهل من تيار بلا أخطاء؟ ولهم أفكار تحتاج تطويرا مع تغير الأحوال، وهل من تيار بلا مأزق في هذا المجال؟
تبقى النوايا الحسنة، وجهود بناء الثقة المتبادلة كرسالة وجهاد نحو تحالف ينهض بالديمقراطية، ويعطي الناس أملا في تغيير لصالحهم وغد أفضل...
كل أيام اشتراكية ونحن جميعا طيبون.<
أستاذتي هبة_الدستور 9 ديسمبر 2007
هناك ٤ تعليقات:
د.هبة رؤوف من الشخصيات التي تستحق الاحترام, و من الذين يمكن أن تتوقع منهم دائما خلاف السائد .
لم أكن مغاليا إذن في تصوراتي .
والله أنا كل ما أقرأ لدكتورة هبة باحس ان شحنات معرفية استقرت فى رأسى ...شكرا يا عبدو على المقال اللى نشرته ..دعواتك يا رفيق :)
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا يا عبدو ..
وأتمنى أن أرى كتابات بقلمك قريبا.
أختك :
سمية
إيه ده؟
مش ممكن!
أهلا أهلا
ياه
لو كنت أعرف إنك لما تروحي السعودية هتتكرمي وتفتحي البلوء
كنت اشتريت لك جمل ولا حاجة
أهلا كتير
إرسال تعليق