[ إضاءات ]

"من علمني حرفا... صرت به حرا" أستاذي سيف الدين .....| | | | |..... "هناك فرق بين أن تكون عالما، وأن تكون إنسانا" كولن .....| | | | |..... "إن الدعاة اليوم لا يفتقرون إلي الإخلاص... وإنما في كثير من الأحيان إلي الحكمة" أستاذتي هبة .....| | | | |..... "الاجتهاد مبدأ الحركة في الإسلام" محمد إقبال .....| | | | |..... "الطاقة الإبداعية بحد ذاتها مطلب شرعي ومقصد إيماني‏" فالإبداع "صنو الاجتهاد، ورديف له، من الصعب أن ينفك أي منهما عن الآخر" طه جابر العلواني .....| | | | |..... "ولا تزال الدنيا عامرة وديار المسلمين في سلام ما أخبتت النفوس وهبطت ساجدة تردد: "رب زدني علما" محمد أحمد الراشد .....| | | | |..... السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس به أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك: لا سياسة إلا ما وافق الشرع: أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة" الإمام ابن عقيل الحنبلي .....| | | | |..... "طلب الحرية مقدم علي تطبيق الشريعة... تقديم ترتيب، لا تقديم تفضيل" فهمي هويدي .....| | | | |..... "الإنسان المعاصر إنسان ذو بعد واحد، فاقد الهوية، وصاحب نزعة استهلاكية، وقليل الحساسية تجاه الغير، ويعاني عزلة وضياعا، وهو أسير المرحلة الراهنة، والسرعة الفائقة، والوقائع السريعة الكفيلة بأن تُنسيه ما قبلها، وتتركه يتحفّز لما بعدها" مدرسة فرانكفورت .....| | | | |.....

الاثنين، شوال ٢٧، ١٤٢٩

شوارع القاهرة: وجوه وأصوات وأحزان


شوارع القاهرة: وجوه وأصوات وأحزان


أستاذتي هبة




قابلني زميلنا الشاب الصحفي والباحث خليل العناني في ندوة ثقافية نظمها طلاب كلية الاقتصاد في ذكري ميلاد الدكتور عبد الوهاب المسيري فقال: «يا دكتورة يكفي كلام عن هموم وسط البلد والطبقة الوسطي واهتمي بالغلابة، أنت تشكين من القمامة وغالبية سكان القاهرة يشكون من المجاري الطافحة والشوارع التي اختفي لونها تحت الردم والتراب وفوضي التوك توك والميكروباصات.. وفقر الخدمات وغياب دور الحي.. تحدثي عن الأحياء المنسية والعشوائيات التي تعيش في العصر الحجري بدون ماء أو صرف صحي..»

والحق أنني قد تجولت خارج وسط البلد واتهام خليل لي بأنني أتحدث عن الطبقة الوسطي غير صحيح، فقد قابلته يومها بعد نضال في شوارع ترسة والطالبية لمدة ساعتين محاولة الخروج بعد أن دخلتها من جهة المنصورية ولم أستطع الخروج إلا بعد عناء!

وجدت نفسي هناك في عالم التوك توك الذي وصفه خليل والذي ذكرني بشوارع بومباي، وبعد تجوال في شوارع ينتشر بها طفح المجاري وتعج بالفوضي الخلاقة والزحام المذهل والميكروباصات التي تسير في كل اتجاه تحولت للحواري الضيقة التي تنتشر فيها القمامة وتفتقر لأعمدة النور وللعناية المتمدنة من الدولة.

الناس تعاني الإهمال ويكسو وجوهها الوجوم، ورغم ذلك تبحث عن الجمال، في أصص الزرع في الشرفات أو شجرة يغطيها التراب يحرص صاحب متجر صغير علي أن يرويها كأنه يتحدي القبح السائد حوله.

الطريف أن دخولي لترسة كان قدوماً من التجمع الخامس حيث كنت في الصباح أتجول في الأحياء الجديدة وأتأمل القصور الفخمة التي تزين حدائق البعض منها تماثيل رخام ذكرتني بعبد الحليم حيث كان يغني «تماثيل رخام عالترعة وأوبرا» في أغنيته الشهيرة «صورة». كنت كلما سمعت هذا المقطع سقطت من الضحك.. فالفلاح المصري لديه فنون أرقي من الأوبرا بكثير ولديه إبداعات فنية من عصر الفراعنة أجمل من تماثيل الرخام، وها نحن بعد قرابة الستين عاماً من الثورة نشاهد تماثيل الرخام في حدائق قصور التجمع الخامس والفلاح المصري ليس علي ترعته إلا الفقر والمعاناة من التهميش!

المقارنة كانت قاسية.. التوك توك في مقابل الـ«هامر»، والبيوت التي تميل علي بعضها كأنها عجائز تتساند في مقابل القصور المشيدة، والشباب المتسكعون في مقابل شباب الجامعات الأجنبية والخاصة وتجوالهم في محلات الوجبات السريعة وخروجهم منها يحملون «الكابوتشينو» في مقابل آخرين يحلمون بكوب شاي بالنعناع وسندوتش حواوشي.

في الجامعة الأمريكية حيث كنت في الصباح في التجمع أشتري بعض الكتب لا أدري ما الذي دهاني فأحسست أني أريد أن أشتري سوبيا.. هذا المشروب العبقري الذي أحبه.. ونظرت حولي فلم يكن هناك سوي فروع لسينابون وسيلانترو يصطف حولها الطلاب. سألت نفسي لماذا لا يفتح «أبو طارق» محل الكشري الشهير فرعاً في التجمع بل في قلب الجامعة الأمريكية، وما الذي يمنع سيلانترو وسينابون من فتح فروع شعبية بأسعار أقل في العمرانية والطالبية بما أن هامش ربحها مبالغ فيه!. ولتعتبره من باب «المسئولية الاجتماعية للشركات»..!

هناك انشطار واضح في مجتمعنا ليس فقط في تميز أحياء وتجاهل أحياء من علي خريطة تفكير الدولة تماماً، بل في تفاصيل الحياة الصغيرة، هذا الانشطار الذي أورثنا تمييز الناس بين «أولاد ناس» و.. «ناس بيئة»، مع اختفاء وصف «بلدي» الشهير الذي ساد سابقاً!

من «أحراش» الهرم خرجت بصعوبة، نصف ساعة كي أجد «تاكسي» يوصلني لجامعة القاهرة، واقتراح من سائق ميكروباص أشفق عليّ ونصح بأن آخذ توك توك لآخر نقطة في الطالبية ثم من هناك ميكروباص لميدان الجيزة ثم تاكسي للجامعة. أخيراً وجدت «تاكسي» أخذني علي مضض بعد أن استعطفته أن عندي محاضرة في الجامعة، ووصلت في نصف ساعة بالعافية.

هناك أدركني أحد الطلاب معتذراً عن الوصول متأخراً هو الآخر فقد ضرب أمين الشرطة سواق الميكروباص وتأخر في دار السلام فأخبرته أنني وصلت للتو، وضحكت لأن طالباً في الجامعة الأمريكية في الصباح كان يعتذر للشلة أنه تأخر لأن السيارات في خارج الجامعة اصطفت في الصحراء وأخذ وقتاً كي يجد مكانًا قريبًا من باب الجامعة، وعلمت من سير الحديث أن السيارة التي يتحدث عنها هي سيارته البورش الجديدة!

توك توك، بورش، تماثيل رخام، مجاري، قصور عشش وبيوت قديمة كالحة، قاهرة تموج بالفوضي الاجتماعية وشوارع تحمل من الحزن ما ينوء بالعصبة أولي القوة.. وحكومة تتحدث عن أن السيد الرئيس يعطي للمواطن البسيط الأولوية ويتعامل مع الصحفيين باعتبارهم أبناءه.

شكرا يا خليل علي العتاب، لكن أنا تجولت، وتأملت، وصرخت، وكتبت، وحوقلت، ودعيت علي الظالم، وبصدد تكوين حركة الشارع.. شارع مشترك. وشارع نحترمه، شارع يصلح للعيش ومكان يجمع الناس ويبني المشترك بين الناس البيئة والهاي كلاس والطبقة الوسطي المحشورة في النصف باعتبارهم جميعاً مواطنين.. أولاد حواء وآدم.. ووطن مشترك.. واعتبر نفسك عضوًا مؤسسًا..

والدعوة عامة.