بداية نجوم الحيرة
أقتح الباب دون أن يسمع لي صوت، أدخل في هدوء دون أن يشعر أحد، أتنسم هواء ذلك العالم الذي أدخله لأول مرة رغم متابعتي له عن كثب منذ فترة، إنه عالم المدونات الذي طالما فكرت في أن أدخله، إلي أن لملمت شتات فكري ، و هكذا دخلت في صمت- أرجو ألا يطول- و عما قريب يسمع صوتي في هذا العالم.
النجوم... تلك الكرات الملتهبة التي تبعد عن كوكبنا الذي نعيش عليه بمسافات شاسعة تقاس بالسنين الضوئية، و هي لذلك تبدو لنا أنها تلك النقاط اللامعة في ظلام الليل، و تلك الومضات المتعلقة في بساط أسود من فوقنا.
النجوم هي تلك التي توحي لك بشيء من الأمل، فهي ضوء في وسط الظلام، و هي التي تهدي الناس في الصحراء، و هي التي يستدل بها علي وجود الله.
و هي التي تعطيك ذاك الإحساس بالسمو و الارتقاء، فهي كانت ولا زالت يضرب بها المثل في العلا، فيقول عنترة:
و لي بيت علا فلك الثريا تخر لعظم هيبته البيوت
فالنجوم دائما هي الأمل، هي الهداية، هي السمو و الطموح بعينه، هي الحقيقة و النجاة. و لكن... ماذا يحدث إذا كثرت الحقائق؟ و ماذا يحدث إذا اختلطت الأمور علي الناظر للنجوم، فلا يدري بأيها يهتدي؟ سيصاب بشيء من الدوار و كثرة التفكير و التأمل ليصل إلي حبل النجاة، ليصل إلي الطريق الصحيح، و الصواب (الأكيد) و لكنه حتما لن يصل... فهو مهما بلغ، آخر طموحه هو أن يصل إلي ما يظنه (هو) الصواب فيتحول بذلك إلي نجم آخر.
و هذا هو الحال في عالم الأفكار، حيث النماذج المعرفية المختلفة، و الأطر المفاهيمية المتعددة، و التي علي أساسها يضع كل إنسان تصوراته و أفكاره التي يؤمن بها. فعالم الأفكار ليس فيه حقيقة واحدة، و إن كان الحق دائما واحد، فإدراكه يختلف ، مما ينتج دائما أفكارا مختلفة لكل مدرك من مدركات هذا العالم الخاص بالعقل الإنساني. و لذلك فالهداية في عالم الأفكار نسبية، و إن كان كل إنسان يعتقد اعتقادا جازما لا مجال للشك فيه بهذه الفكرة أو تلك، ففي النهاية غيره يراها برؤية مغايرة. فهي ليست كقواعد العلوم الطبيعية، كل فكرة جديدة تمحو ما قبلها و تثبت فشله، و لكن كل فكرة فيه تعد إضافة لهذا العالم، لا تثبت قطعيا فشل فكرة أخري، و إن كانت تحاول دائما إثبات أنها الأفضل بين هذه الأفكار. و بقدر ما تكون حجتها في ذلك بقدر ما يزداد بريقها و لمعانها في سماء الأفكار.
فتلك هي نجوم الأفكار، و كل نجم فيها ولد ليحتار فيختار فيسمو فيدعو فيحير و ينير.و حينها فقط يصبح أحد تلك التي أسميها "نجوم الحيرة".
و العجيب أن هذه النجوم لشديدة الشبه بنظيراتها الطبيعية. و أحب هنا أن أتوقف عند ثلاث من التشابهات في الظواهر التي تحدث في كلا العالمين:
النجوم هي تلك التي توحي لك بشيء من الأمل، فهي ضوء في وسط الظلام، و هي التي تهدي الناس في الصحراء، و هي التي يستدل بها علي وجود الله.
و هي التي تعطيك ذاك الإحساس بالسمو و الارتقاء، فهي كانت ولا زالت يضرب بها المثل في العلا، فيقول عنترة:
و لي بيت علا فلك الثريا تخر لعظم هيبته البيوت
فالنجوم دائما هي الأمل، هي الهداية، هي السمو و الطموح بعينه، هي الحقيقة و النجاة. و لكن... ماذا يحدث إذا كثرت الحقائق؟ و ماذا يحدث إذا اختلطت الأمور علي الناظر للنجوم، فلا يدري بأيها يهتدي؟ سيصاب بشيء من الدوار و كثرة التفكير و التأمل ليصل إلي حبل النجاة، ليصل إلي الطريق الصحيح، و الصواب (الأكيد) و لكنه حتما لن يصل... فهو مهما بلغ، آخر طموحه هو أن يصل إلي ما يظنه (هو) الصواب فيتحول بذلك إلي نجم آخر.
و هذا هو الحال في عالم الأفكار، حيث النماذج المعرفية المختلفة، و الأطر المفاهيمية المتعددة، و التي علي أساسها يضع كل إنسان تصوراته و أفكاره التي يؤمن بها. فعالم الأفكار ليس فيه حقيقة واحدة، و إن كان الحق دائما واحد، فإدراكه يختلف ، مما ينتج دائما أفكارا مختلفة لكل مدرك من مدركات هذا العالم الخاص بالعقل الإنساني. و لذلك فالهداية في عالم الأفكار نسبية، و إن كان كل إنسان يعتقد اعتقادا جازما لا مجال للشك فيه بهذه الفكرة أو تلك، ففي النهاية غيره يراها برؤية مغايرة. فهي ليست كقواعد العلوم الطبيعية، كل فكرة جديدة تمحو ما قبلها و تثبت فشله، و لكن كل فكرة فيه تعد إضافة لهذا العالم، لا تثبت قطعيا فشل فكرة أخري، و إن كانت تحاول دائما إثبات أنها الأفضل بين هذه الأفكار. و بقدر ما تكون حجتها في ذلك بقدر ما يزداد بريقها و لمعانها في سماء الأفكار.
فتلك هي نجوم الأفكار، و كل نجم فيها ولد ليحتار فيختار فيسمو فيدعو فيحير و ينير.و حينها فقط يصبح أحد تلك التي أسميها "نجوم الحيرة".
و العجيب أن هذه النجوم لشديدة الشبه بنظيراتها الطبيعية. و أحب هنا أن أتوقف عند ثلاث من التشابهات في الظواهر التي تحدث في كلا العالمين:
أولا: التبعية... فنجوم السماء لها أتباع يدورون حولها ، يستضيئون بضوئها، و كذلك نجوم الأفكار – أو نجوم الحيرة – فلها أتباع يدورون حولها و يتعلقون بها. و هذه النجوم و تلك أيضا تدور حول مركز أخري هي بدورها متعلقة بها.
ثانيا:الإنارة و الاستنارة... فالنجوم تنير لما يتبعها، هذا ذا كان له من الغاز عليه ما يسمح بالإضائة الساظعة التي يتمتع بها كوكبنا، و نفس الحال فالأفكار اللامعة تنير العقول المقتنعة بها إذا كانت لديها من التفكير ما يسمح بذلك. و قد تنير النجوم أجساما أخري، قد تظهر للرائي منيرة و لكنها ليست كذلك في ذاتها و إنما هي تعكس ضوء ذاك النجم فتبدو منيرة، تلك هي الأفكار التابعة للأفكار العظيمة، التي تمثلها الأقمار في عالم النجوم.
ثالثا: عالم نجوم الطبيعة عالم لا نهائي، فهو في اتساع مستمر ، و كذلك عالم الأفكار عالم تولد فيه دائما نجوم جديدة ، فهو لا نهائي في مساحته و في أبعاده و ظواهره.
هذا بعض ما يخطر ببالي حين أقارن بين هذين العالمين الرائعين. و لكن قد يتساءل البعض... إننا نعيش في هذا العالم الذي نشعر به، و نحسه و نلمسه، عالم الظواهر و الأحداث ، لماذا نهتم بعالم آخر يعيش فيه العقل في خيالاته و أوهامه؟
إن عالم الأفكار هو عالم له تأثيره علي عالم الظواهر و الأحداث، و هو أيضا يتأثر به. فقد يكون مفهوم في عالم الأفكار استمد قوته من القوة التي أنشأته في عالم الأحداث، و قد يكون حدث أو ظاهرة، نشأت بقوة تأثير نجم ساطع جديد في عالم الأفكار. لذلك فالرقي في عالم الأفكار يصحبه رقيا أثراه و تأثر به في عالم الظواهر و الأحداث. فمن كان يطمح أن يصير يوما من نجوم الحيرة، فهو يطمح بذلك أن يكون نجما في تاريخ عالم الأحداث... و يبقي الطموح هو صانع النجوم في أي عالم كان.
إن عالم الأفكار هو عالم له تأثيره علي عالم الظواهر و الأحداث، و هو أيضا يتأثر به. فقد يكون مفهوم في عالم الأفكار استمد قوته من القوة التي أنشأته في عالم الأحداث، و قد يكون حدث أو ظاهرة، نشأت بقوة تأثير نجم ساطع جديد في عالم الأفكار. لذلك فالرقي في عالم الأفكار يصحبه رقيا أثراه و تأثر به في عالم الظواهر و الأحداث. فمن كان يطمح أن يصير يوما من نجوم الحيرة، فهو يطمح بذلك أن يكون نجما في تاريخ عالم الأحداث... و يبقي الطموح هو صانع النجوم في أي عالم كان.
و طموحي أن أكون نجما ليس له مثيل في سماء الأفكار، بحيث يصل بريقه الخاطف إلي عالم الظواهر و الأحداث فيؤثر في تغيير عالمنا الذي نعيش فيه إلي الأفضل. لهذا فأنا عمرو طموح... مشروع نجم.